الحريري بما حمَل لماكرون - جريدة المدن - عصام الجردي

 

 - Sep 20, 2019



 لو اقتنع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بالتقرير الذي رفعه إليه موفده إلى بيروت بيار دوكان، المكلف متابعة قرارات مؤتمر سيدر وتنسيقها، سيبلغ رئيس الحكومة سعد الحريري في لقائهما المقررّ اليوم في باريس، أن لبنان لم يوفّ شروط الإفراج عن تعهدات المؤتمر. لم تصدر إشارات من الحكم والحكومة في لبنان تنم عن جِدّية في الإصلاح. ما تتداوله الحكومة من إجراءات وفي مقدمها التزام إنجاز موازنة 2020 وإقرارها في موعدها الدستوري، ملزمة به أصلًا. وخطة الكهرباء ما زالت في شرك المنافسة والشفافية طالما لم تمرّ بإدارة المناقصات. في صرف النظر عن نتائجها النهائية لتأمين التيار مستدامًا، وللاستغناء عن المولدات، وزيادة سعر الاستهلاك ووقف عجزها الكهرباء المتمادي. ما قاله وزير المال علي حسن خليل الأربعاء الماضي مهم. الأهم، هو العمل. فترة الشهور الستة التي أعطيت للبنان كي يخطو عمليًا في اتجاه الإصلاح الهيكلي والقطاعي أوشكت على النفاد. لبنان يحتاج إلى أكثر من ذلك عملًا ووقتًا.


فترة سماح جديدة
فجأة، يحط الحريري في طريقه إلى باريس في الرياض، بعد إعلان نيتها بدعم لبنان ماليًا. القرار سياسي على  مستوى عالٍ، سيحمله الحريري إلى ماكرون لتأكيد الدعم العربي للبنان وإنه "ليس متروكًا للقدر في صراع اقليمي تبدو فيه إيران مستعدة للعب كل ما تملكه من أوراق وما لا تملكه". خصوصًا بعد الهجمات على أرامكو. القرار السعودي يؤكد المؤكدّ. كل ما يحصل عليه لبنان هو فترة سماح سياسي تتجددّ لمنع الانهيار. وليس مكافأة لنظام سياسي فاشل ومنتج الأزمات. وعصيٌ على الاصلاح. في حِسبة الصراع الإقليمي والمشروع الإيراني في المنطقة، سيتفهم ماكرون المعادلة. وهو جزء منها بقيادة الولايات المتحدة. وكلاهما ماكرون والرئيس الأميركي دونالد ترمب، لا يريدان لبنان ورقة سهلة في يد طهران في سيناريو السلم والتفاوض، أم في سيناريو حرب محدودة أو واسعة.

لم يحدد وزير المال السعودي طبيعة الدعم وأشكاله. لكنه في التأكيد سيكون على المستوى المالي وربما النقدي. كي يؤتي الدعم المالي أُكلَه، لا يكفي لشراء السعودية إصدارًا جديدًا من سندات اليوروبوندز لا بديل منه لسداد مستحقات دين بنحو مليار ونصف مليار دولار أميركي، بعد نحو شهر. ووزير المال علي حسن خليل أكّد أن الإصدار سيحصل في وقت قريب. لبنان يحتاج إلى مال مباشر للخزانة ميسّرًا وطارئًا. ونقديًا، وديعة كبيرة في مصرف لبنان لها أثرها الفوري لو تمّ تحويلها على وجه السرعة. وقد تحسّن سعر أوراق الدين اللبنانية في الخارج الأربعاء الماضي بعد إعلان القرار السعودي. مثلما حصل حين إعلان قطر شراء سندات لبنانية بواقع 500 مليون دولار أميركي. نذكر فقط للحقيقة، أنه بعد مضيّ شهور على حرب تموز 2006، لم تحولّ وديعة سعودية بقيمة مليار دولار أميركي كانت أعلنت عنها الحكومة السعودية. والمعلومات في حينها من مرجعها لكاتب السطور. ولا ندري ما اذا كانت حُولت في وقت لاحق.

طابع المساعدات السياسي
لبنان لا يخرج من محيطه الجيوسياسي العربي. العمق الإقليمي لاقتصاده ومصدر التدفقات النقدية الرئيسي. نضوب الاستثمارات العربية المباشرة وغير المباشرة في لبنان خلال السنوات الأخيرة، كان صناعة لبنانية فحسب. وكذلك تجميد مشاريع استثمارية عربية كبيرة. العوامل الجيوسياسية والأمنية في المنطقة، لاسيما الحرب في سوريا، ما كان لها أن تترك ما تركته من أثر سلبي على الاقتصادي اللبناني، لو التزمنا سياسة النأي بالنفس. صحيح إنه شعار مطّاط حمّال أوجه. وقد لا نجد له تفسيرًا موضوعيًا شافيًا، حين تنأى النفس ولا ينأى محيطها عنها. دخول "حزب الله" الحرب في سوريا للدفاع عن نظام ديكتاتوري عمّر نحو 50 عامًا، بلا حرية ولا تنمية ولا تحرير، ليس له ما يسوغه من أسانيد ومنطق وحجّة. هناك كلام يدور همسًا مفاده أن المساعدات الدولية والعربية للبنان، إنما حؤولًا دون وقوع لبنان في شرك "حزب الله" والمشروع الإيراني. قد يكون هذا الكلام صحيحًا. لكنه معلن في كل المؤتمرات والمواقف الدولية والعربية التي قررت دعم لبنان ماليًا واقتصاديًا وعسكريًا. جميعها أكدت على القرار 1701 وسلطة الدولة وسلاحها الشرعي و"النأي بالنفس". وكنا دائمًا نقبل الدعم ولا ننأى بالنفس. ولا حول للبنان الدولة أن يقوم بهذه المهمة بلا حرب أهلية لا أحد يريدها. ماكرون، والمجتمع الدولي، والدول العربية الداعمة لبنان، تعلم ذلك. وتعلم أن حلّ هذه القضية في طهران. فلماذا يُطلب إلى لبنان ما هو عاجز عنه، وما يعجز عنه الأقوى منه؟ "إلاّ إذا كانت هيفاء وهبي هي التي قصفت أرامكو"!

إستفاقة على النمو!
الخروج من الطريق إلى القاع لا ينتظر الحلول الإقليمية والجيوسياسية. سيأتي دعم سيدر والدعم العربي سياسيًا لا محالة. لم تعد الأرقام لمجرد العدّ. كلها في مسار انحداري. يستوقف كلام وزير المال الأخير إذ نعتبره موقفًا للحكومة، حين اعتبر مستوى النمو الصفري المتوقع في 2019 هو "الأخطر والأهم". هذه مرة أولى يطفو النمو بندًا أول في لغة الحكومة، بعد أن كان التركيز على العجز المالي. والفصل بين الإثنين كحرث البحر. فالنمو ركيزة إيرادات الدولة والقيمة المضافة وفرص العمل. والفيصل في قياس العجز إلى الناتج والدين إلى الناتج. مع اعتبار كل سيئات معضلة العجز المالي، فالوزير يتحدث عن أقلّ من مليار دلار أميركي (1402 مليار ليرة لبنانية) بقيت للاستثمار في موازنة 2020. في اختصار، هذا الكلام يعني نموًا تحت الصفر في 2020. يفترض الأمر ماليًا أن يكون الإنفاق صفرًا في موازنة 2020 كي لا يكون الدين أسرع من النمو. وفي الحالين لحس المِبرد. وقال الوزير، إن "مراسيم تطبيقية لم تصدر بعد لتحصيل ايرادات موازنة 2019". أي لغة، وأي طوارئ اقتصادية لتفادي الهبوط إلى القاع؟ هل سيحمل الحريري إلى ماكرون عجز الحكومة حتى عن المراسيم التطبيقية لجباية ايرادات الموازنة؟ 94 مؤسسة عامة العدد الكبير منها لا حاجة له قال وزير المال. مؤكد أن العدد المقصود عائد إلى المنظومة السياسية الفاسدة. هل قرّرت الحكومة قفلها فعلًا؟ نشك لو رُحلّت القضية إلى البازار الطائفي. فيصبح قَفل الدكاكين إثمًا إلهيًا محظورًا.

ليس لدى رئيس حكومتنا الكثير ليقنع ماكرون بفتح بوابة سيدر، سوى الدعم العربي. وهو في صلب تعهدات سيدر أساسًا. لكنه مطلوبٌ بإلحاح للوضع الطارئ وقبل تعهدات سيدر.

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة