المرأة والعمل اللائق 

 - Sep 28, 2011



 عُقد في بيروت بتاريخ 26-29 تشرين الأول ورشة عمل بعنوان المرأة والعمل اللائق بدعوة من الإتحاد المهني لنقابات عمال ومستخدمي المواد الكيماوية في لبنان والإتحاد العربي لعمال النفط والمناجم والكيماويات بالتعاون مع مؤسسة فريدريش إيبرت وقد شارك في الورشة ممثلات عن: الأردن ومصر واليمن والسودان وتونس ولبنان، وقد تكلم في الوشرة عدداً من الباحثين وكان من بينهم الدكتور عامر عبد الملك والقاضية أرليت جريصاتي، وقد ترأس هاتين الجلستين النقابي أديب بو حبيب رئيس المركز اللبناني للتدريب النقابي. وقد جاء في تقديمه الكلمة التالية:

 

بدايةً إن عنوان ورشة العمل هذه "المرأة والعمل اللائق" كان من أهم المواضيع التي ناقشها مكتب العمل الدولي في مؤتمراته وقراراته في السنوات الأخيرة، إذ كان العنوان الرئيسي لتقرير المدير العام لمكتب العمل الدولي أمام المؤتمر في الدورة 87 في جنيف سنة 1999 حول العمل اللائق.

كيف تُعرِّف منظمة العمل الدولية العمل اللائق؟

"العمل اللائق هو العمل المنتج الذي يؤدي في ظروف تسودها الحرية والأمان والأمن وكرامة الإنسان، الذي يحصل عليه النساء والرجال على قدم المساواة. يُشكّل العمل اللائق محور إلتقاء الأهداف الإستراتيجية الأربعة لمنظمة العمل الدولية معاً: تعزيز الحقوق في العمل، الإستخدام، الحماية الإجتماعية، الحوار الإجتماعي" (المصدر: مكتب العمل الدولي سنة 1999).

كما أن منظمة العمل الدولية تؤكّد على المساواة بين الجنسين في عالم العمل إنطلاقاً من برنامج منظمة العمل الدولية بشأن العمل اللائق وتُحدّد ذلك في:

         ‌أ-         تكافؤ الفرص والمساواة في المعاملة في العمل.

      ‌ب-      المساواة في الأجر عن العمل ذي القيمة المتساوية.

       ‌ج-       الوصول المتساوي إلى بنية عمل آمنة وصحّية وإلى ضمان إجتماعي.

        ‌د-        المساواة في الحريّة النقابية والمفاوضة الجماعية.

         ‌ه-        المساواة في الحصول على ترقية وظيفيّة فصليّة.

        ‌و-        توازن منصف بين العمل والحياة الأُسريّة للنساء والرجال.

        ‌ز-       المشاركة المتساوية في اتخاذ القرارات بما فيها هيئات منظمة العمل الدولية.

(المصدر: مكتب العمل الدولي سنة2007),

وقد صدر عن منظمة العمل الدولية عدد من الإتفاقيات ضد التمييز من أجل المساواة ومنها:

1-  القضاء على التمييز في الاستخدام والمهنة "اتفاقية المساواة في الأجور" رقم 100، صدرت سنة 1951 وصدّق عليها لبنان في 25/6/1977

2-    اتفاقية التمييز "في الاستخدام المهنة" رقم 111، صدرت سنة 1958 وصدّق عليها لبنان في 25/6/1977

3-    اتفاقية العمال ذوي المسؤوليات العائلية رقم 156، صدرت سنة 1981، لم يُصدّق عليها لبنان بعد.

4-  اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة، صدرت سنة 1979 وصدّق عليها لبنان سنة 1996 وتحفّظ على المواد التالية: المادة 26 (الأحوال الشخصيّة)، المادة 9 فقرة 2 (الجنسيّة)، والمادة 2 فقرة ج (قانون العقوبات).

بالإضافة إلى ذلك يوجد معايير أخرى لمنظمة العمل الدولية تتضمن نصوصاً حول المساواة في المجال الذي تتناوله.

وقد تناولت القاضي جريصاتي القوانين التي ترعى حقوق المرأة: الأحوال الشخصيّة – الضمان الإجتماعي – عقوبات جريمة الأسرة الجنسية.

سننشر النص الحرفي لمحاضرة القاضية أرليت طويل جريصاتي في نصّها الحرفي لما لها من أهمية.

أديب أبو حبيب

المرأة والعمل اللائق

إن الدستور اللبناني الذي وضع في 1926 نص في مادته السابعة على المساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والواجبات دون أي تمييز بينهما كما أن المادة الثانية عشرة منه نصت على حق كل لبناني أي المرأة والرجل في تولّي الوظائف العامة.

وبالرغم من ذلك لا تزال بعض القوانين تُميّز بين المرأة والرجل رغم التطوّر الكبير الهادف إلى إنصاف المرأة اللبنانية خلال السنوات الأخيرة.

وإذا أعدنا عرض لوحة تاريخية موجزة، نرى أن حقوق المرأة اللبنانية مرّت في المراحل التالية:

  • سنة 1953: نيل المرأة اللبنانية الحق بالتصويت وبالترشّح للإنتخابات.
  • سنة 1959: صدور قانون الإرث لغير المحمديين الذي طَبّق قاعدة المساواة في الحقوق بين الذكر والأنثى. كما صدر المرسوم الإشتراعي رقم 112 تاريخ 12 حزيران 1959 أي نظام الموظفين الذي بنى أحكامه على مبدأ المساواة بين اللبنانيين في الحقوق والموجبات المُعلن عنه في الدستور وفتح المجال أمام المرأة للدخول إلى أية وظيفة في الإدارات العامة على قدم المساواة مع الرجل.
  • سنة 1965: أُعطيت المرأة اللبنانية حق الخيار فيما يتعلّق بالإحتفاظ بجنسيتها اللبنانية عند زواجها من رجل أجنبي.
  • سنة 1974: مُنحت المرأة اللبنانية حرية التنقل بعد إلغاء قاعدة الإذن المسبق من زوجها لنيل جواز سفر.
  • سنة 1983: أُلغيَت العقوبات المفروضة على استعمال وسائل منع الحمل.
  • سنة 1987: عدُّل السن الذي ينتهي فيه الخضوع لنظام تعويض نهاية الخدمة المنصوص عليه في قانون الضمان الإجتماعي بحيث أصبح الرابعة والستين بالنسبة للمرأة والرجل بالتساوي مع حقّ كل منهما طلب تصفية هذا التعويض عند بلوغه الستين من العمر لكنه أبقى للأجيرة التي تتزوج، بمقتضى الفقرة الأخيرة من المادة 59منه، الحق بالإستقالة من عملها وبتقاضي تعويضات نهاية خدمتها شرط أن تقدّم طلب التصفية خلال الإثني عشر شهراً التي تلي تاريخ الزواج وإلا أُخضع التعويض إلى قواعد نسب التخفيض المنصوص عنها في المادة 52 فقرة 2 من قانون الضمان.
  • سنة 1993: أُلغي نص المواد 11 و12 و13 من قانون التجارة ومُنحت المرأة أهلية كاملة للممارسة الأعمال التجارية والدخول في شركة تضامن أو أن تكون مفوضة في شركة توصية.
  • سنة 1994: حق المرأة العاملة في السلك الخارجي التي تتزوج أجنبي بمتابعة عملها في هذا السلك دون نقلها إلى السلك الإداري.
  • سنة 1995: عُدّلت المادة 997 م.ع. التي كانت تمنع على شخص ثالث عقد ضمان موقوف على وفاة إمرأة متزوجة بدون إجازة الزوج وحصر هذا الحظر بالأشخاص تحت الإشراف القضائي معيداً للمرأة المتزوجة أهليتها في هذا الخصوص.
  • سنة 1996: توقيع الدولة اللبناية "الشرعة لإزالة كل أنواع التمييز ضد المرأة" لكن مع التحفّظ بشأن المواد التالية: المادة 26 (الأحوال الشخصيّة) والمادة 9 فقرة 2 (الجنسيّة) والمادة 2 فقرة "ج" (قانون العقوبات).
  • أما فيما يتعلّق بضريبة الدخل، فإن المادة 34 من قانون الموازنة العامة لعام 1999 ترعى هذا الموضوع وفقاً للأسس التالية:

-   إذا كانت زوجة المكلّف تتعاطى مهنة أو تشغل وظيفة خاضعة لضريبة فيستفيد كل زوج من التنزيل المُعطى للعازب وإذا كان للزوجين أولاد على عاتقهما يُعطى الوالد تنزيلاً إضافياً عن الأولاد وهذا أمر طبيعي وفقاً للمبدأ العام الذي ينص على أن الشركة الفعلة لا تستفيد إلا من تنزيل واحد.

-   في حال وفاة الوالد أو إصابته بعلّة مقعدة مثبتة ولا يقوم بأي عمل مأجور فتعطى الوالدة التنزيل الإضافي عن الأولاد.

-   أما في حال بلوغ الزوج سن التقاعد وإثبات زوجته أن ليس له أي مدخول فقد سار التعامل لدى دوائر ضريبة الدخل على إفادة هذه الأخيرة من التنزيل العائد للزوج دون أن ينص القانون صراحة على ذلك باعتبار أن وضع الزوج في هذه الحالة يُشابه وضعه المذكور في الفقرة السابقة.

ولا نرى أي إجحاف لاحق بالمرأة المتزوجة فيما يتعلّق بضريبة الدخل إلى في الحالة النادرة التي ليس فيها للزوج الذي لم يبلغ بعد سن التقاعد أي مدخول دون أن يكون مصاباً بعلة مقعدة.

ولا بد لي قبل الدخول في صميم موضوع حقوق المرأة العاملة، من عرض يإيجاز القوانين الظالمة تجاه المرأة:

1-      قوانين الأحوال الشخصيّة:

مع اعتراف القرار 60 ل ر بالطوائف الثامنة عشرة، وجد المواطن اللبناني نفسه ملزماً بالإنتماء إلى إحدى هذه الطوائف لكي يرتب الشؤون العائدة لأحواله الشخصيّة التي تشمل الزواج والبنوة والتبني والطلاق وحراسة الأولاد والإرث... ولا يُستثنى من ذلك سوى الزيجات المنعقدة في خارج لبنان وفقاً للأشكال المتبعة في بلد العَقْد التي اعترفت بها المادة 25 من القرار 36 ل ر. فإذا عُقِد هذا الزواج وفقاً لمراسيم مدنية، يُعتبر صحيحاً في نظر السلطات المدنية ويُسجّل في دائرة الأحوال الشخصية وينتج كافة مفاعيله وفي حال نشوب نزاع بين فريقيه، فإن القضاء اللبناني هو الصالح للبت في النزاع ويُطبّق في هذه الحالة قانون المكان الذي جرى فيه العقد ما عدا استثناء واحد في حال عقد الزوجين أيضاً زواجاً دينياً ولو بعد الزواج المدني وتسجيله في لبنان، فتعود صلاحية البت في النزاعات بين الزوجين عندئذٍ للمحاكم الروحية دون سواها وفقاً لقوانينها.

وهذه القوانين مبنيّة جميعها على فكرة سلطة الرجل بصفته رب العائلة وهي مجحفة تجاه المرأة، بالإضافة إلى أن المحاكم المذهبية هي على صورة المجتمع اللبناني لسؤ الحظ: أحكامها غامضة ومتناقضة وفقاً للمصالح والضغوطات ينقص أعضاءها الكفاءة القانونية والنزاهة في كثير من الأحيان، كما أنها تعكس في أحكامها أحياناً كثيرة عقلية رجعية لا تتوافق مع التطور الحاصل في المجتمع.

2-   الجنسيّة:

حسب قانون الجنسية، يمنح الرجل جنسيته حكماً لزوجته بناءً لطلب مقدّم منها بينما العكس ليس صحيحاً. اللبنانية التي تتزوج أجنبياً تحتفظ بجنسيتها حتى تطلب شطبها من السجلات بعد اكتسابها جنسية زوجها ولكن يحق لها أن تسترد جنسيتها اللبنانية بعد وفاة زوجها أو إبطال الزواج.

بالنسبة للبنوة، لا يكتسب الجنسية اللبنانية إلا الولد المولود من أب لبناني، والحالات الوحيدة التي تمنح في الأم جنسيتها لولدها هي:

-       حالة الولد غير الشرعي الثابتة بنوته بالنسبة لأمه قبل ثبوتها بالنسبة لوالده.

-       حالة الولد القاصر لأرملة تكتسب الجنسية اللبنانية بعد وفاة زوجها.

إلا أنه صدر بتاريخ 16/6/2009 قراراً جريئاًَ عن محكمة الدرجة الأولى في جبل لبنان، الغرفة الخامسة في جديدة المتن، الناظرة في قضايا الأحوال الشخصيّة، برئاسة القاضي جوني قزي، قضى، خلافاً للاجتهاد السابق المستقر، باعتبار الأولاد القاصرين لأم لبنانية – فقدت زوجها الأجنبي بالوفاة وكانت قد احتفظت بجنسيتها اللبنانية هذه رغم زواجها – لبنانيين وبقيدهم على خانة والدتهم وقد استأنفت النيابة العامة هذا القرار طالبة فسخه ونحن بانتظار النتيجة.

3-   قانون العقوبات:

هناك ما يُسمّى خطأً جرائم الشرف:

يُعفى من العقاب من قتل زوجته أو أحد أصوله أو فروعه أو أخته في جرم الزنا المشهود أو في حالة الجُماع غير المشروع (م 562 عقوبات) وتخفف عقوبته فقط إذا كانت زوجته أو أخته أو أحد أصوله أو فروعه في حالة مريبة مع آخر أي الحالة التي من شأنها أن تخلق لدى الجاني الاعتقاد بحصول فعل الجُماع غير المشروع أو بتوقع حصوله.

من البديهي أنه يقتضي إلغاء المادة 562 عقوبات لأنها تناقض مبادئ الحرية والمساواة وتُكرّس عقلية قبليّة لم تعد تتناسب مع التطور الفكري والاجتماعي وأرى شخصيّاً أن هذه المادة هي وراء أعمال العنف الممارسة من قبل الرجل تجاه المرأة أكانت زوجته أو ابنته أو شقيقته.

وهناك أيضاً أحكام الزنا، فالأحكام الجزائية تمُيّز بين المرأة والرجل في تحقق شروط جريمة الزنا: بالنسبة للمرأة يُفترض لحصول الزنا:

-       وقوع الإتصال الجنسي بغير الزوج.

-       قيام الزوجية

-       توفر النية الجرمية

عند توفر الشروط الثلاثة المذكورة، تُعاقَب المرأة الزانية سواء حصل فعل الزنا في المنزل الزوجي أو في مكان آخر.

بينما لا يُعاقَب الزوج إلا إذا حصل الزنا في المنزل الزوجي.

وعند ارتكاب الزنا من قبل الزوج خارج المنزل الزوجي لا يًعاقَب إلا إذا اتخذ خليلة جهاراً أي بصورة معتادة ومشتهرة. بينما تُعاقَب الزوجة إذا ارتكبت فعل الزنا مرة واحدة ولو بصورة مستترة.

فعندما نقارن هذه النصوص بالأحكام المقابلة في التشريع الفرنسي الذي لغى جريمة الزنا من قانون العقوبات واعتبر هذا الأمر شأناًَ داخلياً خاصاً بالزوجين، نرى مدى رجعيّة هذه النصوص في لبنان.

أما فيما يتعلّق بالمرأة العاملة، فما هو وضعها في قانون العمل اللبناني؟ وما هي الأحكام التي ترعى التقديمات الإجتماعية المستحقّة لها؟

أولاً: أحكام قانون العمل

لم يتضمّن هذا القانون الصادر سنة 1946، أحكاماً تميّز المرأة الأجيرة عن الرجل الأجير إلا التي كانت تهدف إلى حمايتها كتلك الواردة في الفصل الثاني المعنون في إستخدام الأولاد والنساء والتي كانت تُحرِّم عمل النساء الليلي والمادة 52 عمل التي منعت على رب العمل توجيه الإنذار بالصرف إلى المرأة المجازة بداعي الولادة إلا أنه صدر بتاريخ 26/5/2000 القانون رقم 207 الذي ألغى نص المواد 26, 28، 29، و52 من قانون العمل واستعاض عنها بالنصوص التالية:

المادة 26 الجديدة:

يُحظَّر على صاحب العمل التفرقة بسبب الجنس بين العامل والعاملة في ما يخص نوع العمل، مقدار الاجر، التوظيف، الترقية، الترفيع، التأهيل المهني والملبس.

المادة 28 الجديدة:

يحق للنساء العاملات في جميع الفئات المبيّنة في هذا القانون أن ينلن إجازة أمومة لمدة سبع أسابيع تشمل المدّة التي تتقدّم الولادة والمدّة التي تليها وذلك بإبرازهنّ شهادة طبيّة تنمّ عن تاريخ الولادة المحتمل.

يُحظِّر على أرباب العمل وعملائهم أن يسمحوا للنساء أن يعدن إلى العمل قبل انقضاء ثلاثين يوماً على تاريخ الولادة المحتمل.

المادة 29 الجديدة:

تُدفع الأُجرة بكاملها للمرأة أثناء أجازة الولادة.

يحق للمرأة التي استفادت من إجازة سبعة أسابيع للوضع مع بقاء الأجر كاملاً أن تتقاضى أجراً عن مدة الأجازة السنوية العادية التي تستحصل عليها خلال السنة نفسها، عملاً بأحكام المادة 39 من قانون العمل.

ويُحظَّر أن تُصرَف المرأة من الخدمة أو أن يوجّه إليها الإنذار خلال مدة الولادة، ما لم يثبت أنها استُخدِمت في محل آخر خلال المدة المذكورة.

أما المادة 27 التي تُحظِّر تشغيل النساء في الصناعات والأعمال المبينة في الملحق رقم 1 من قانون العمل فبقيت كما هي.

يُستنتج مما سبق عرضه أن قانون العمل اللبناني ألغى أي تمييز في المعاملة بين العامل والعاملة ما عدا ما يهدف إلى حمايتها نظراً لدورها كأم ولتشجيعها على إنجاب أولاد، فمنحها إجازة أمومة بأجر كامل أطال أمدها ومنع توجيه أي إنذار بالصرف إليها خلال هذه الفترة فاعتبر الإجتهاد في هكذرا وضع، يعتبر الصرف تعسّفياً وتمنح الأجيرة تويضاً عنه.

وقد نصّت المادة 52 من قانون العمل الجديدة، على أنه لا يوجه الإنذار:

1-   إلى المرأة الحامل

2-   إلى المرأة المجازة بداعي الولادة

3-   إلى كل أجير أثناء الإجازات العادية أو خلال الإجازات المرضية.

على أن رب العمل يُصبح بحلٍ من هذه الموانع إذا استُخدم الأجير في محلٍ آخر خلال تلك المدّة.

كما أن المادة 53 من قانون العمل أضافت أنه إذا خالف رب العمل الأحكام المتعلّقة بالإنذار، يجب عليه أن يدفع أجرة الأيام الداخلة في مدّة الإنذار أو الأيام التي لا يجوز له أن يوجّه الإنذار خلالها.

أما فيما يتعلّق بساعات العمل، فقد نصّت المادة 34 من قانون العمل على أنه كلّما زادت ساعات العمل على 6 للرجال و5 للنساء، وجب على رب العمل أن يمنح أجراءه عند منتصف نهار العمل، راحة لا يجوز أن تقلّ عن ساعة... مميّزة بذلك الأجيرة عن الأجير، آخذة بعين الاعتبار واقع ضعف المرأة بالنسبة لقوة الرجل الجسدية.

وأودّ هنا أن أعرض قراراً مبدئياًَ صدر بتاريخ 15/11/2007 عن اللجنة التحكيمية لخلافات العمل الجماعية التي أترأسها، يُبيّن بعض الشواذات عند ممارسة الأجيرة عملها واستغلال ضعفها، وكيف تدخّل الإجتهاد لإعادة الأمور إلى نصابها (يراجع المستند رقم 1).

والوقائع هي التالية:

خلال عام 1967 وبموجب المادة الثانية من القرار رقم 40 تاريخ 24/2/1967 الصادر عن المدير العام لصندوق الضمان الإجتماعي، أُعفيت المُستخدَمات من تقديم التقرير الطبي في حالة الإنزعاج الشهري وذلك على سبيل التساهل الإداري منعاً للحرج في مثل هذه الحالة، الأمر الذي سمح للعاملات لدى الصندوق المذكور بالتغيّب ليوم واحد في الشهر مدفوع الأجر دون أن يُحتسب كإجازة مرضيّة.

وعام 1999، صدرت عن المدير العام للصندوق المذكور، المذكرة رقم 21 تاريخ 10/4/1999 التي تضمّنت أن كل تغيّب غير منصوص عنه كإجازة في نظام المستخدمين يُعتبر غير مشروع ويترتّب عليه حسم الراتب وكان المقصود ضمناً من هذه المذكرة إلغاء السماح بالتغيّب باليوم الشهري لمنع إساءة إستعمال التساهل الإداري بهذا الشأن.

فتم ضبط هذا التغيّب عن طريق إخضاعه للمراقبة الطبية.

وبتاريخ 27/1/2004، صدرت عن المدير العام للصندوق المذكور المذكرة رقم 7 موضوع النزاع التي نصّت على أن الإدارة ستعتبر أي تغيّب خارج نطاق الإجازات المنصوص عليها في نظام المستخدمين بما في ذلك التغيّب الشهري الذي جرى العُرف على السماح به، تغيّباً غير مبرّر وسيتم حسمه من الراتب.

فتقدِّمت عندئذٍ مستخدمات الصندوق الوطني للضمان الإجتماعي بطلب وساطة ومن ثم تحكيم أمام اللجنة التحكيمية لخلافات العمل الجَماعية طعناً في المذكرة رقم 7 تاريخ 27/1/2004 الصادرة عن المدير العام لصندوق الضمان الإجتماعي مدلية بمخالفتها القانون من خلال تجاهلها العُرف الثابت الذي يقضي بالسماح لهنّ بالتغيّب باليوم الشهري وبأن هذا العرف يُعتبر حقاّ مُكتسباً لهنّ لا يجوز لإدارة الصندوق الرجوع عنه، فأجابت المطلوب التحكيم بوجهها نافيةً وجود هكذا عُرف مدليةً بأن غياب المستخدمات لديها بداعي الإنزعاج الشهري، كان شبه معدوماً ما بين العام 1980 ولغاية 1996 بسبب المنح التشجيعية التي أُعطيت لهنّ عن كل يوم حضور إلا أنه إعتباراً من العام 1996، بعد أن دُمِجت العطاءات المرتبطة بالحضور الفعلي التي كانت تُعطى للمستخدمين بالراتب الأساسي، بدأت الإدارة تلاحظ غياب بعض المستخدمات بصورة غير منتظمة بحجّة يوم الإنزعاج الشهري، مما إضطرّ المدير العام للصندوق المذكور إلى إصدار المذكرة رقم 21 تاريخ 10/4/99 ومن ثمّ المذكرة رقم 7 تاريخ 27/1/2007 التي تضمّنت أن أي تغيّب خارج نطاق الإجازات المنصوص عليها في نظام المستخدمين، يُعتبر غير مبرّر وسيتم حسمه من الراتب، مضيفةً أنه لا يؤخذ بالعُرف في حال وجود نص قانوني.

وكانت المديرية العامة للإستثمار – وزارة الطاقة والمياه وكذلك مؤسسة كهرباء لبنان، ألغت العُرف المذكور عام 2001 فجاء في القرار الصادر عن اللجنة التحكيميّة ما يليك

"وحيث أنه بموجب المادة الرابعة من قانون التجارة، لا يُطبّق القاضي العُرف إذا كان العُرف متعارضاً مع النصوص التشريعيّة الإلزامية وقد سار إجتهاد المحاكم المستقر على عدم الأخذ بالعُرف في حال وجود نص قانوني.

وحيث أنه بموجب المادة 3 من قانون الضمان الإجتماعي، يعود لمجلس إدارة صندوق الضمان الإجتماعي إقرار جميع أنظمة الصندوق الداخلية ونظام المستخدمين شرط مصادقة سلطة الوصاية عليها كما أنه بموجب المادة الخامسة من هذا القانون، على المدير العام المسؤول تنفيذ قرارات مجلس الإدارة المذكور.

وحيث أنه، حتى على افتراض وجود عُرف لدى صندوق الضمان الإجتماعي بالسماح للمستخدمات لديه بالغيّب عن العمل في حال الإنزعاج الشهري منذ العام 1967 ودون تقديم أي تقرير طبي وسنداً للقرار رقم 40 المذكور أعلاه، إلا أنه لا يمكن العمل بهذا العُرف واعتباره حقاً مكتسباً لهذه المستخدمات، لا يمكن إلغاءه إلى بقانون كما تدلي الجهة الطالبة التحكيم، للأسباب التالية:

1-  لأن هذا العُرف يُخالف أحكام المادة 38 من نظام المستخدمين لدى صندوق الضمان الإجتماعي الإلزامية، التي أخذت علماً بها مستخدمات الضمان ووافقت عليها بدون تحفّظ، عند  توقيعها عقد استخدامها، بحيث أصبحت مُلزَمة باحترامها. والمادة 38 المذكورة آنفاً ليست سوى تطبيقاً للمبدأ العام الذي يُنظّم التغيُّب عن العمل والتي نصّت عليه المادتان 41 و74 فقرة 5 من قانون العمل.

2-  لأن ما ورد في المذكرتين رقم 31 و7 الصادرتين عن المدير العامة لصندوق الضمان الإجتماعي خلال عامي 1999 و2004، ما هو إلا تذكير بما نصّت عليه المادة 38 من نظام المستخدمين فيقتضي ردّ ما جاءت به الجهة طالبة التحكيم لجهة عدم إمكانية مخالفة هاتين المذكرتين، قرار المدير العام رقم 40، المستند إليه العُرف موضوع النزاع، لمخالفة هذا القرار المادة 38 من نظام المستخدمين المذكورة أعلاه، ولأن ما بني على باطل هو باطل بدوره.

3-  وعلى سبيل الإستطراد، والجدل القانوني، لأن العُرف ليس سوى مرآة لعادات مجتمع، فهو يتغيّر كلّما تغيّرت الظروف الزمنية والعوامل الإجتماعية والإقتصادية، فلا يجوز اليوم التمييز في المعاملة بين المرأة والرجل في الخدمة، بعد أن إنضم لبنان للإتفاقيات الدولية التي تمنع أي تمييز قائم على الجنس واشترك بالمؤتمرات الدولية بهذا الشأن وبعدما طالبت النساء بالمساواة مع الرجال، وبصورة خاصة بعدما تطوّر الطب وأنتج علاجات جديدة بحيث لم تعد العادة الشهرية، إلا نادراً، تشكّل الإنزعاج الذي يمنع المرأة من ممارسة عملها أثناءها، ما عدا في حالات نادرة جداً، تشكّل حالات مرضيّة، وترعاها بالتالي الأحكام القانونية التي نَظّمت الإجازات المرضيّة وشروط الإستفادة منها، وهذا ما سارت عليه الإدارات العامة والمؤسسات العامة في لبنان، فلا يجوز بعد ذلك التمسّك بعُرف طواه الزمن لدى صندوق الضمان الإجتماعي".

وقضت اللجنة بردّ طلب التحكيم برمّته على هذا الأساس.

هذا القرار المبدئي الهام يفيد بأنه يعود للمحاكم مساندة المشترع في تطوير القوانين والأعراف وفقاً لتطوّر المجتمع بانتظار أن يكرّس هذا الأخير بنص قانوني الإجتهاد المستقر.

هذا هو وضع المرأة العاملة في قانون العمل. فما هو وضعها في قانون الضمان الإجتماعي؟

ثانياً: في التقديمات الإجتماعية

سأعرض هنا في جزء أول وضع الموظفة المتزوجة فيما يتعلّق بالتقديمات الإجتماعية ومن ثم في جزء ثانٍ وضع الأجيرة المتزوجة بهذا الخصوص:

الجزء الأول: وضع الموظفة المتزوجة:

بعد ازدياد عدد النساء التي دخلت الوظيفة في القطاع العام خلال السنوات العشر الأخيرة خاصةً وذلك في قطاعات كانت تقليدياً محفوظة للرجال، كالقضاء والأمن العام... بدأت النساء تطالب بحقهنّ بالتقديمات الإجتماعية المنصوص عنها في نظام الموظفين وفي قانون تعاونية موظفي الدولة والتي كان يستفيد منها الموظف عن أفراد عائلته من زوج وأولاد، دون الموظفة، رغم أن هذه الأخيرة كانت تدفع الإشتراكات المفروضة على كل موظّف لهذه التقديمات، وأقصد بذلك التعويضات العائلية، المساعدات المرضيّة لأفراد عائلة الموظّف ومنح التعليم.

بناءً لهذه المراجعات، ألغى صندوق تعاضد القضاة ابتداءً من سنة 1992، كل تمييز في الإستفادة من تقديماته بين المرأة والرجل فيما يتعلّق بسلك القضاء.

ومن ثمّ وبعد استشارة هيئة التشريع والإستشارات، عَدَّل المُشترع، نص المادة الوحيدة من القانون رقم 149 الصادر في 30 تشرين الأول سنة 1999، المتعلّق باستفادة الموظّفات المنتسبات إلى تعاونية موظّفي الدولة من تقديماتها، وأصبح كما يأتي:

"خلافاً لأي نص آخر، تستفيد الموظفة كالموظف، ودون أي تمييز بينهما، من تقديمات تعاونية موظفي الدولة المنصوص عليها في نظام المنافع والخدمات وفي نظام منح التعليم، وذلك عنها وعن أفراد عائلتها: من زوج وأولاد، سواء من تتقاضى عنهم التعويض العائلي أو من لا تتقاضي عنهم التعويض المذكور، وكذلك عمن في عهدتها من أبوين أو أخوة أو أخوات وذلك بالنسب ذاتها التي تعتمدها التعاونية للموظف ضمن الشروط المبينة أدناه:

1-  في حال أن الزوجان منتسبين إلى التعاونية، تُعطى المساعدة أو المنحة عن الزوج والأولاد لأحدهما فقط الأعلى فئة ودرجة بينهما وبالنسب والدرجة الإستشفائية ذاتها سواء تقاضى التعويض العائلي عنهم أم لا.

2-  في حال كان أحد الزوجين منتسباً إلى التعاونية، والآخر غير منتسب إليها، ولكنه يستفيد من مصدر رسمي آخر، لا يحق له الإستفادة عن أولاده من التعاونية إلا من التقديمات التي لا يوفّرها له المصدر الرسمي الآخر.

3-  يستفيد الموظف المنتسب إلى التعاونية عن زوجه وعن أولاده إذا كان الزوج الآخر غير منتسب إليها ولا يستفيد من مصدر آخر، وذلك من تقديمات تعاونية موظفي الدولة كافة باستثناء الولد السادس.

4-  أما في حال دفعت منحة ما أقل من المنحة التي تستحق من التعاونية فعلى الموظف أن يقدّم إفادة خطّية صادرة عن صاحب العمل تثبت قيمة المنحة التي دفعت لزوجه لإعطائه الفرق في حال وجوده.

5-  في حال طلاق الزوجين أو فراقهما، وكذلك في حال الخلاف أو الهجر، تُعطى المساعدة أو المنحة للزوج أو الزوجة الذي يعيش الأولاد في كنفه، وذلك وفقاً للمبالغ والنسب التي تحق له بموجب أنظمة التعاونية بصرف النظر عن النفقة المحكوم بها لصالح الزوج أو الزوجة أو الأولاد.

مما يُثبت إلغاء أي تمييز بسبب الجنس في الوظيفة العامة فيما يتعلّق بالتقديمات الإجتماعية الممنوحة للموظفين.

فما هو الوضع بالنسبة للقطاع الخاص، أي الأجراء؟

الجزء الثاني: وضع الأجيرة المتزوجة:

لم يميّز قانون الضمان الإجتماعي بين المضمون والمضمونة إذ نصّت المادة 13 فقرة 1 من هذا القانون على ما يلي في الفصل المتعلّق بضمان المرض والأمومة:

"يُفهم بكلمة "المضمون" الواردة في هذه المادة، المضمون والمضمونة على السواء دون أني تمييز"

وقد حدّد قانون الضمان الإجتماعي ولا سيّما المادتان 14 و46 منه الأولاد الذين يحقّ لهم الإفادة على اسم المضمون من تقديمات ضمان المرض والأمومة والتعويضات العائلية. وضمان المرض والأمومة يشمل الأشخاص المضمونين وكذلك أفراد عائلتهم الذين يعيشون مع المضمون تحت سقف واحد وعلى نفقته.

أما التعويضات العائلية فهي تُمنح للأجراء وسائر الأشخاص المضمونين المذكورين في البند (1) من الفقرة (أولاً) من المادة 9 من قانون الضمان الإجتماعي.

وهذه التعويضات تتوجّب عن الأولاد المعالين كما هم محددون في البند (أ و ب) من الفقرة (2) من المادة 46 من القانون المذكور أعلاه.

وكان الخلاف يدور حول مفهوم النفقة أو الأعالة التي على أساسها يُحدّد المستفيدون من التقديمات المذكورة أعلاه.

فالمبدأ العام المنصوص عليه في الفقرة الأولى من المادة 47 ضمان إجتماعي، هو أنه لا يُعطى الولد الحق بأكثر من تعويض عائلي واحد وإذا توفرت في عدة أشخاص إزاء ولد واحد الشروط المطلوبة وفقاً لأحكام المادة 46 ضمان إجتماعي، في التقديمات العائلية والتعليمية، تدفع للوالد إذا توفّرت في الوالد والوالدة الشروط المذكورة آنفاً إلا إذا كانت حضانة الأولاد في عهدة الوالدة وحدها.

وتطبيقاً لهذا المبدأ وبموجب المذكرة الإعلامية رقم 112 تاريخ 18/1/1972، كانت لا تَعتَبر الأجيرة قانوناً أو فعلاً رب عائلة ولا تستحقّ لها التعويضات العائلية عن أولادها إلا في الحالات التالية:

أولاً: إذا كانت أرملة أو مطلّقة أو هاجرة قضاءً.

ثانياً: إذا انقطع زوجها عن العمل لأحد الأسباب التالية:

         ‌أ-         بلوغه الستين عاماً مكتملة شرط التثبت من أن الأولاد يعيشون مع والدتهم تحت سقف واحد وعلى نفقتها.

      ‌ب-      إصابته بعاهة جسدية أو عقلية.

       ‌ج-       الحكم عليه بالسجن.

وبعد مراجعات عديدة مقدَّمة لمجالس العمل التحكيمية من قبل الأجيرات صدرت عدة أحكام تكرّس حق الوالدة بمطالبة الصندوق بالتقديمات العائلية عن أولادها إبتداءً من عام 1996، لكني اخترت منها القرارين رقم 201 و202/96 المتشابهين، الصادرين عن مجلس العمل التحكيمي في بيروت برئاسة الرئيس الشخيبي، الذين صُدّقا تمييزاً وأصبحا إجتهاداً مستقراً بعد صدور قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز رقم 6/200 تاريخ 21/2/2000 وسأعرض هنا أهم حيثيات هذين القرارين:

أولاً: قرارا مجلس العمل التحكيمي في بيروت

الوقائق المماثلة المعروضة في القرارين المذكورين أعلاه، تتعلّق بأجيرة متزوجة لرجل لا يعمل في أي من القطاعين العام والخاص وعلى ضوء ذلك، لا يحق له الإستفادة من أي تقديم من تقديمات الضمان الإجتماعي، فيبقى أولاد المدعية الأجيرة، وفقاً للنظام المطبّق سابقاً لدى صندوق الضمان الإجتماعي، خارجين عن مؤسسة الضمان الإجتماعي وتقديماته، رغم أن رب عمل المدعية كان يُسدّد عنها كافة الإشتراكات لمختلف فروع الضمان الإجتماعي وكانت هي أيضاً، وفقاً لقانون وأنظمة الضمان تشارك في الإشتراكات عن فرع المرض والأمومة، مما يُبرز الإجحاف اللاحق بحقوق هذه الأجيرة. فأَسند مجلس العمل التحكيمي قراره على المبادئ التالية:

-   إن الغاية الأساسية التي يقوم عليها قانون الضمان الإجتماعي مؤسساته وتقديماته، هو دون شك، توفير الحد الأدنى من الإطمئنان الإجتماعي إلى المضمون من خلال التقديمات التي يؤمنها له وفي مقدمتها الرعاية الصحية والمساعدات العائلية الخجولة.

-   الأخذ بأي تفسير أو أجتهاد لا يتفق مع هذه القاعدة من شأنه المساس بأحكام الإتفاقات الدولية التي وافق عليه لبنان وخاصة الإتفاقية رقم 111 التي تحذر التمييز المعاملة القائم على الجنس أو الدين أو العرف.

-       إنه لا مجال

ثانياً: قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز

أما قرار الهيئة العامة لمحكمة التمييز المذكور أعلاه (المستند رقم 2) فقد ذكر أولاً بنصوص الإتفاقيات الدولية التي ترعى هذا الموضوع وهي:

-       المادتان 2 و26 من الإتفاقية الدولية حول حقوق الطفل

-       المادة الأولى من إتفاقية العمل الدولية

-       المادة الثالثة من العهد الدولي الخاص بالحقوق الإقتصادية والإجتماعية والثقافية

ثم وضع المبادئ العامة لحل الموضوع وهي:

  • إذا كانت أحكام النفقة والإعالة قد نظمت في القوانين والأحكام العائدة لكل من الطوائف اللبنانية، فإن ما ورد في شأنها في قانون الضمان الإجتماعي، لا يفيد إطلاقاً إرادة المشترع في الإحالة في هذا الشأن إلى الأحكام والقوانين الخاصة بكل طائفة بل إن إستعماله للتعابير العامة والمتنوعة بين مادة وأخرى – إذا ورد في المادة 14 كلمة "النفقة" وفي المادة 46 عبارة "الولد المعال" وفي المادة 47 عبارة :حضانة الأولاد" – يدلّ ببساطة على أن ما يُقصد بهذه التعابير هو قيام أحد الوالدين بالإنفاق على الأولاد دون بيان حدود هذا الإنفاق وشروطه والأوضاع القانونية التي قد يستند إليها.
  • إن ظروف الإنفاق على الأولاد ومدى هذا الإنفاق ومفهومه، لا يقع في ظل الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والمعيشية المختلفة والمتحركة، تحت ضابط موضوع يمكن إتخاذه معياراً للتمييز بين موجب يقع على أحد الوالدين أو الآخر إذا كان لكيلهما دخل معيّن.
  • إنه في ضوء ما تقدم، وفي ضوء وجوب القول بمبدأ المساواة بالحقوق والواجبات، أضحى التفسير المنطقي لأحكام قانون الضمان الإجتماعي، هو وجوب إستفادة الوالدة المنتسبة إلى صندوق الضمان الإجتماعي من التقديمات التي تستحق عن أولادها طالما لم يتبيّن عدم إنفاقها على هؤلاء الأولاد بالمعنى المبسوط أعلاه لهذا الإنفاق، وطالما أن الوالد لا يستفيد من هذه التقديمات.

إن أهميّة هذا الإجتهاد المُستقر على عدم التمييز بين المضمون والمضمونة إزاء الأولاد الذين يحقّ لهما الإفادة من تقديمات ضمان المرض والأمومة والتعويضات العائلية عنهم، إذا توافرت في أي منهما شروط إستحقاق هذه التقديمات والإفادة منها، وهو أنه أدى إلى صدور المذكرة الإعلامية رقم 283 تاريخ 19/1/2001 (المستند رقم 3) عن مدير عام صندوق الضمان الإجتماعي، التي ألغت جميع المذكرات الإعلامية السابقة التي تتعارض معها وقد جاء في هذه المذكرة ما يلي:

1- إن النفقة أو الإعالة المنصوص عنها من كلٍ من المادتين 14 و46 من قانون الضمان الإجتماعي لا تقتصر على النفقة أو الإعالة بمفهومها الشرعي (مفهوم الأحوال الشخصية) بل تشتمل أيضاً على كلّ نفقة فعليّة حتى لو قام الإنفاق والإعالة من لا تتوجب عليه هذه أو تلك قانوناً.

2-   أنه يطلب من جميع الوحدات المعنيّة في الصندوق، التقيّد بما يلي:

يشترط لاستحقاق المضمونة تقديمات المرض والأمومة والتعويضات العائلية فيما خص أولادها المحددين في كلٍ من المادتين 14/2 و46/2 من قانون الضمان الإجتماعي ما يلي:

أ‌-  أن لا يكون للزوج الوالد الحق في الإفادة من تقديمات الضمان الإجتماعي أو من تقديمات مماثلة من أي نظام إلزامي آخر عن الأولاد أنفسهم.

ب‌-إجراء تحقيق إجتماعي من قبل الصندوق للتأكد من أن الأولاد يقيمون مع والدتهم المضمونة وأن هذه الأخيرة تقوم وحدها أو تشارك بصورة أساسية في الإنفاق على أولادها.

إلا أنه تبين لي من الإستقصاءات التي قُمتُ بها في بعض الإدارات العامة، أنه رغم كلّ ذلك ما زالت بعض هذه الدوائر لا تأخذ بالمذكرة المذكورة أعلاه، مشترطةً على الأجيرة التقدّم بمراجعة لدى مجلس العمل التحكيمي للحصول على قرار منه يكرّس حقها بالتقديمات الإجتماعية، وذلك بالرغم من استحصال بعض زميلاتها في ذات الدائرة على قرارات مماثلة.

الخاتمة:

يتبين بالتالي مما هو معروض أعلاه:

1-  أنه، عند تطوّر القواعد الإجتماعية نتيجةً لتغيير الأوضاع الإجتماعية والإقتصادية والمعيشية المختلفة، لا بدّ من تعديل الأحكام القانونية التي ترعاها.

2-  إن هذا التعديل يأتي عادةً وبصورة طبيعية على يد القضاء لأن القاضي عضو في هذا المجتمع يتفاعل معه ويُطوّر تفكيره مع تطوّره.

3-  أنه من شأن اجتهاد المحاكم المستقر تعديل وتفسير أو حتى أحياناً تعطيل تحت ستار تفسير، أحكام قانونيّة désuètes طواها الزمن، وأصبحت مجحفة، وحمل المشترع إلى تبنّي هذا التفسير بتعديل النصوص القانونية التي لم تعد تتطابق مع أوضاع المجتمع وهذا الأمر متعارف عليه في جميع البلدان.

4-  إن المنهج المعروض أعلاه يتكرر حاليّاً بنسبة لما يُسمّى في قانون العقوبات "جرائم الشرف" لنفس الأسباب، إذ يسير اجتهاد المحاكم منذ عدة سنوات على تطبيق الأحكام التي ترعى هذا الموضوع، بشكلٍ يُعطّل تقريباً مفعولها لقناعة القاضي بتعارض هذه الأحكام مع تطوّر الذهنيّة السائدة في المجتمع اللبناني.

وأخيراً لا بدّ من الملاحظة أن وضع المرأة اللبنانية تطوّر كثيراً خلال السنوات الماضية فبينما كانت تمثّل 18% من القوى العاملة وفقاً لإحصاءات الأمم المتحدة عن السنوات 1975 لغاية 1978 وكانت تتواجد بصورة خاصة كمُدرّسة أو ممرّضة أو سكريتيرة أو عاملة هاتف إلى أن دخلت ميادين مُكرِّسة تقليدياً للرجال كمهنة الطب والهندسة والقضاء، أصبحت اليوم وفقاً لتقرير وضعه البنك الدولي عام 2009 مِبنيٌّ على دراسات ميدانية تعود لعام 2007، تمثّل أكثر من 37% من اليد العاملة وفرص العمل متاحة لها بالتساوي مع الرجال في جميع الميادين خاصة بالنسبة للنساء التي تتراوح أعمارهنّ ما بين 18 و 30 سنة مما يُثبت التغيير الحاصل في ذهنية المجتمع اللبناني إذ أصبح مقبولاً ثقافياً واجتماعيّاً أن تعمل المرأة في جميع القطاعات.

وأثبتت هذه الدراسة أن قطاع الخدمات هو القطاع الرئيسي لعمل المرأة وأن المرأة العاملة تحمل شهادات علميّة أهم من تلك التي يحملها زملاؤها الرجال ورواتبها متساوية مع رواتبهم بالإضافة إلى ازدياد بشكلٍ ملحوظ في عدد المؤسسات الخاصة التي تؤسسها وتديرها إمرأة مع العلم أن هذه الأخيرة تُعطي الأفضليّة في الإستخدام لإمرأة أخرى.

وبما أن المرأة أصبحت تلعب أكثر وأكثر كل يوم دوراً فعّالاً في القطاعات التربوية والإقتصاديّة والإجتماعيّة والتربويّة فلا بدّ من إنصافها ومنحها الحقوق الأساسيّة التي تعود لها بموجب الدستور وبصورة خاصة لا بد من إلغاء القوانين المُجحفة بحقّها والمذكورة أعلاه وإنشاء زواج مدني تُطبِّق عليه أحكام قانون مدني واحد لجميع المواطنين اللبنانيين مبني على قاعدة المساواة في الحقوق والواجبات بين المرأة والرجل.

بيروت في 28/10/2009

القاضي أرلت جريصاتي

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة