عرض لتجارب دولية في مؤتمر «التوجهات الجديدة في قانون العمل»: تشديد على إرساء العدالة تجاه عمال المهن الخطرة والنساء والأطفال - زينب ياغي - السفير-11-4-2010

 - Oct 04, 2011



 قدّم الخبراء المشاركون في مؤتمر «التوجهات الجديدة في قانون العمل» دراسات تستحق أن تؤخذ بعين الاعتبار في آلية صياغة قوانين العمل الجديدة، وخاصة في لبنان، وعدم الإتكال فقط على خبراء لبنانيين، يتم اختيارهم عادة استناداً إلى نظرة وزير العمل اللبناني إليهم، أكثر مما يتم اختيارهم استناداً إلى مستوى معرفتهم في قوانين العمل في العالم. 
وقد عقد المؤتمر على مدى ثلاثة أيام في كلية الحقوق في «جامعة القديس يوسف»، بتنظيم من «مركز الدراسات الحقوقية للعالم العربي» في الجامعة، وتحدث فيه ما يقارب اثنان وعشرون رجل قانون وباحثاً وأستاذاً جامعياً، من فرنسا وأسبانيا واليونان، بالإضافة إلى المغرب ولبنان. 
وتناول الخبراء مواضيع ذات أهمية قصوى في صياغة قانون عمل، مثل الحرية النقابية، وحقوق الإنسان، وعقود العمل الفردية والجماعية، وعلاقات العمل في المؤسسات، والدور الذي يؤديه الاجتهاد المتواصل لتطوير عقود العمل، ودور القاضي في دعوى العمل، والبنود التحكيمية في قوانين العمل. 
ولم يدع وزير العمل بطرس حرب ليكون مفتتح المؤتمر، وإنما دعي للمشاركة في الافتتاح مثل باقي المشاركين، كما أكد مدير «مركز الدراسات الحقوقية للعالم العربي» ومنظم المؤتمر الدكتور جورج خديج. إلا أن الوزير حرب تحدث في الافتتاح عن المشروع الجديد لقانون العمل اللبناني الذي أعدّ بإشرافه، بوصفه مشروعاً عصرياً، من دون توزيع نسخ على المشاركين عن مضمونه، لكي يعرفوا على الأقل ما إذا كان يحمل سمات المعاصرة أم لا. 
وأوضح خديج أن المؤتمر لم يعقد لمناسبة طرح مشروع قانون العمل الجديد، وإنما كان يفترض عقده في نيسان العام الماضي، لكن حدث بركان ايسلندا منع المشاركين الأوروبيين من الحضور في الموعد المحدد. 
وفي ختام المؤتمر، تلا المشاركون توصيات تشكل خلاصة أعمالهم على مدى الأيام الثلاثة، طالبوا فيها بإضفاء الطابع الإنساني على قوانين العمل في الدول العربية، كما الأوروبية والأميركية، في ظل عصر العولمة الذي تزداد فيه حدّة النزاعات بين العمال وأصحاب العمل، ومن جراء عدم التزام الشركات النظر إلى إعطاء الموظفين والمستخدمين والعمال حقوقهم، كما تنص عليها شرائع حقوق الإنسان. ودعوا إلى التفكير الجدي والحازم من أجل القضاء على البطالة، بصفتها «الآفة العظمى والظاهرة السيئة التي تقض مضاجع الدول وتقضي على آمال الشباب الجامعي والمثقف وغير المثقف الذي يتحضر للنزول إلى سوق العمل». 
كما دعوا المعنيين في شؤون العمالة، إلى منح العمال الذين يقومون بأعمال مهنية خطرة مثل المناجم، وبناء الأبراج، أو أعمال يتعرّض منفذوها للعنصرية، مثل الخدمة في منازل، والمعامل، وتنظيف الطرق والشوارع والمباني، حقوقهم التي تنص عليها قوانين العمل وشرعات حقوق الإنسان، فلا يتعرّضون للعنف والاضطهاد، أو الاعتداء الجنسي، أو الصرف من الخدمة من دون سابق انذار، ومنحهم حقوقهم المهنية المشروعة مثل إجازات العمل، والمعاشات الكافية وفق طبيعة العمل. وطالبوا بإنهاء عمالة الأطفال والنساء، وكل عمل يفضي إلى الإساءة للطفولة، عنفياً وجنسياً. 
وقد طرح البروفسور جان كلود جافييه من فرنسا الذي تلا التوصيات، سؤالاً حول «كيف يمكن تحقيق العدالة المهنية للشباب والشابات الذين يتخرجون من الجامعات إلى سوق العمل؟»، مشيراً إلى أن «الغاية هي في إحقاق العدالة الإنسانية والمساواة بين العمال، وفق قانون عمل يصلح لتنظيم الأنشطة العمالية في كل أنواعها وتحقيق الحماية المنشودة». 
واعتبر أن الفقه العام يحتاج إلى مناقشة ومزيد من التمحيص لإحقاق العدالة العمالية، وانتقاء المصطلحات التقنية الأكثر مرونة، مضيفاً أن «المسألة ليست في وجود قوانين لا فائدة منها، وإنما في سن قوانين تتوافق مع الحاجات الإنسانية والعمالية ومراعاة التغيرات المستجدة». 
وخلال جلسات المؤتمر، تحدث البروفسور أنتوني عيسى الخوري عن عقد العمل، وقال إن «المادة 50 في قانون العمل اللبناني يتخللها الكثير من الإبهام تجاه تحديد العلاقة بين العامل وصاحب العمل»، مشيراً إلى أن «المشرع لم يحدد أسباباً موجبة وواضحة، تخول العامل حفظ حقه في مواجهة صاحب العمل، ولم يشرح الحالات القاهرة التي تخول صاحب العمل صرف العامل، ما يفسر أسباب النزاعات التي تنشأ عن ذلك بين طرفي الإنتاج». وفي المقابل، أوضح قانون العمل الفرنسي العلاقات بين طرفي الإنتاج، ومنع الإبهام في العلاقات التعاقدية، في ما يخص التوظيف، والصرف من الخدمة، وإنشاء العقد وإنهاءه. 
ولأن بند التحكيم يملك أهمية خاصة عند نشوء نزاع بين طرفي الإنتاج، فقد أعلن عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية السابق في «اليسوعية» البروفسور ريشار شمالي أنه «دخل ضمن نصوص قوانين العمل في دول الاتحاد الأوروبي، بينما يفرض قانون العمل في لبنان على طرفي الإنتاج تعيين محكم لإضفاء الرأي القانوني، وهو يملك سلطة استنسابية في فرض رأيه وإنهاء النزاع القائم». 
أما في ما يخص آنية عقد العمل واستقراره، فقالت القاضية آرليت جريصاتي إن «قانون العمل الفرنسي حدد الحالات المرضية والأحداث القاهرة (الخطرة) التي يمكن لها إعاقة العامل خلال عمله، والسماح بالتالي لصاحب العمل بالتعويض عليه». وتناولت الإشكالية التي تطرحها آنية عقد العمل من النواحي القانونية، مشيرة إلى أن «أساس الاجتهادات في قانون العمل مبني على العلاقات التي يحدّدها عقد العمل». 
وفي الموضوع الخاص باستراتيجية الشركات والقوانين الاجتماعية، تحدث الدكتور المتخصص في العلوم الاقتصادية أنطوان بازيل عن دور الشركات العالمية في بلورة العولمة وإعطائها البعد الاستراتيجي، والانتقال نحو المزيد من تحقيق المشاريع الاستثمارية الكبرى. كما تناول موضوع منافسة الشركات العالمية للدول في استقطاب الموظفين والمستخدمين والعمال والاستثمارات، مشيراً إلى تجارب بعض الدول «التي سلكت طريق العولمة والتحديث، وقد أصبح لديها نتيجة ذلك قوانين عمل تتجاوب مع التطورات الجديدة حيال طرق الاستثمار وتحقيق الأرباح الطائلة». 
أما الدكتور فرنسوا لانغلار فتناول تجارب بعض الشركات في الولايات المتحدة التي تتعامل مع موظفيها وفق قوانين خاصة تختلف عن مفاهيم الشركات في لبنان والشرق الأوسط والاتحاد الأوروبي. وقال إن «الشركة في الولايات المتحدة لا تنظر إلى القوانين الاجتماعية أو المصالح الاجتماعية للأفراد، وإنما تنظر إلى مصالحها». 
ولفت المحامي ميشال خديج إلى موضوع الاكتتاب في الأسهم وعلاقات العمل، قائلاً إن «أصحاب الشركات يسعون إلى تحقيق الأرباح عبر الاكتتاب في الأسهم، ويستمرون في ذلك عندما يخسرون، سعياً أيضاً إلى تحقيق الأرباح». 
لكنه طرح في المقابل السؤال عما «إذا كان يحقّ للمستخدمين الدخول في المخاطرة، وشراء أسهم في الشركات؟»، موضحاً أن «ذلك يحصل فعلياً وإن بقدر معين، ويخضع لقوانين كل شركة التي تحدد شروط العمل لديها»، مشيراً إلى أن عمليات شراء الأسهم تحصل في الشركات الكبرى على وجه الخصوص. 
وتحدث الدكتور فرنسيسكو بيريز دو لوس غوبوس أورييل من أسبانيا عن كيفية حماية المستخدم، خلال حصول الأزمات المالية، موضحاً أن العديد من المؤسسات يعمد إلى صرف موظفيه وعماله، ما يؤدي إلى حصول أزمة في سوق العمل، فيعمل المتخصصون على حلها عبر استخدام المرونة بأقل الخسائر الممكنة. وقال إن «الحكومة الأسبانية اعتمدت خلال حصول الأزمة سياسة عدم صرف الموظفين بشكل عشوائي من أجل تلافي خلق أزمة في سوق العمل». 
كما تناولت المحامية ماريفون خوري ضاهر حقوق المستخدمين في بلاد المهجر، و»هؤلاء هاجروا بسبب الحروب، أو الكوارث الطبيعية، أو طلباً للعمل»، مشيرة إلى أن العامل أو الموظف في بلاد الاغتراب ربما يكون غير ماهر، ولا يتمتع بالكفايات اللازمة، ما يتسبب بمعضلة. 
وأشارت إلى تجربة لبنان الذي يستقطب ما يقارب مليون مهاجر، طلباً للعمل، من عدد من البلدان العربية مثل مصر، وسوريا، وبلدان الشرق الأقصى (سريلانكا). 
ولفتت هنا إلى «التمييز الواضح والمخالف لحقوق الإنسان حيال العمالة الآسيوية في الدول التي يعملون فيها، إذ يعمل النساء والأطفال في أعمال خطرة وبشروط متدنية جداً ورواتب زهيدة، عدا عن الاضطهاد والعنف اللذين يلاقيهما الكثير من العمال الآسيويين في منطقة الشرق الأوسط وغيرها». 
وفي غياب القانون والضمان الاجتماعي في عدد من الدول التي لا تحترم حقوق الإنسان، تناول البروفسور جان كلود جافييه مسألة انعدام العدالة حيال عمالة الأطفال الذين يتعرضون للقهر والعنف والغبن في تقاضي الأجر العادل، وقال إن «ذلك مناف لأبسط الشرائع الإنسانية التي تقر بالأجر العادل والمعاملة الإنسانية السوية تجاه جميع الأجراء». وسأل عما إذا وضعت منظمة العمل الدولية تشريعات تحمي فيها العمالة الأجنبية والعمالة عموماً في كل أنحاء العالم؟ 
كما تحدث المستشار الاقليمي لمواصفات العمل الدولية عبد الله زهير عن معايير العمل لدى دول مجلس التعاون الخليجي، وقال إنه «ضمن أنظمة قانون العمل الدولية، ثمة دول على اللائحة السوداء أو الحمراء لجهة تنظيم وضع العمالة ومخالفتها حقوق الإنسان، أو لجهة تعنيف النساء أو الأطفال». 
وأضاف إنه «على الرغم من أن قوانين الدول الخليجية تنص على معايير معينة لتنظيم العمالة فيها، إلا أنه توجد عملياً مخالفات لحقوق الإنسان حيال تشغيل العمال والإساءة إلى خدم المنازل أو اضطهادهم». ولاحظ أن «غياب النقابات العمالية في الدول الخليجية قد أدى الى تفاقم مشكلات العمال وعدم إنصافهم مهنياً وانسانياً»، مشيراً إلى «وجود حوارات في السنوات الأخيرة بين الحكومات والعمال، لا تزال قيد المتابعة لتحسين أوضاع العمال، كما ولدت فيها أخيراً بعض النقابات العمالية».
 
 
 
أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة