صرخات الوجع الكبرى للطبقة المتوسطة من تكلفة التعليم - جريدة النهار - ابراهيم حيدر

 
 - Oct 12, 2018



 

  • بحث المواطن اللبناني عن العمل والاستقرار. يكتشف أن معاناته لا تقتصر على الجوانب الحياتية والأمور اليومية وما يجب أن يكون متوافراً من مياه وكهرباء، فيظهر التعليم عنوان قلق مستمر يبدأ بهاجس تعليم أولاده من مرحلة التعليم الأساسي إلى الجامعة مروراً بالثانوي، إلى التخرج وسوق العمل. مراحل من المعاناة لا تتوقف وتتخللها صرخات الطبقة المتوسطة التي باتت تئن تحت أعباء ثقيلة، ولا تجد من ينقذها من الزوال.

 

يقرر اللبنانيون تعليم أولادهم ولا يفكرون بالكلفة المرتفعة، لكن ما كان متاحاً أمام عدد كبير منهم، تعليم أولادهم في مدارس خاصة، وان كانت بمستوى متوسط، لم يعد متوافراً اليوم. كثر من الأهالي قرروا عن اقتناع نقل أولادهم الى المدرسة الرسمية. ولعل هؤلاء الذين يصنفون في الطبقة الوسطى، باتوا على خط الفقر، ولم تعد قدراتهم ووظائفهم تسعفهم في مواجهة كلفة التعليم التي ترتفع سنة بعد سنة، فيما الإمكانات والقدرات المعيشية تتراجع، وتنعدم الفرص، لتدفعهم الى تعديل خياراتهم في قضايا كثيرة، خصوصاً في مجال التعليم.

تختلط الأمور على اللبنانيين حتى في معاناتهم، فليس التعليم الرسمي مرتبطاً بالضرورة بالذين يعيشون على خط الفقر، لكن النظرة الى هذا التعليم مع النكسات التي تعرض لها منذ الحرب، جعلت قسماً منهم ينظرون اليه بدونية، أو على الأقل يعتبرونه تعليماً غير منتج. وتظهر المشكلة في أن اخراج اللبنانيين أولادهم من مدارس خاصة، سببه زيادة أقساط، وملحقاتها، وهذا يعني أن الغالبية باتت غير قادرة لتلبية متطلبات كلفة التعليم المرتفعة، حتى في المدارس الخاصة المجانية، بمستوياتها المختلفة، والتي صارت عاجزة، مع حجز مستحقاتها عند الدولة، وارتفاع ديونها، حتى أن عدداً منها تابع لجمعيات عريقة لوّح بقفل أبوابه، وترك المعلمين والتلامذة عرضة لكل الاحتمالات.

ولعل القلق يظهر امام التغيرات البنيوية في التعليم. مدارس خاصة ترفع اقساطها، وتصبح مخصصة لفئات ميسورة، ومدارس أخرى لا تزال تحتضن أبناء الطبقة المتوسطة. المواطنون يحتجون على الأقساط، لكنهم يخضعون للأمر الواقع، مستعينين بما حصّلوه من احتياطات للاستمرار. ثم أنهم لا يقدمون تنازلاً، إذا ساءت أوضاعهم المالية، إلا عندما تقفل الأبواب أمامهم. ولا يكترث بعضهم لما يمكن أن تكون عليه المدرسة، فالمهم أنها خاصة. وها هو المواطن يضطر الى دفع أكثر من ثلثي دخله السنوي لتعليم أولاده. لكن مسألة التعليم، مع الزيادة أو من دونها، باتت ترتب أعباءً على اللبنانيين، الذين ما عادوا قادرين على تغطية الكلفة، في ظل الأزمات الاجتماعية والمعيشية والاقتصادية وانسداد أفق فرص العمل، الى التغييرات التي تشهدها البنية الاجتماعية والتركيبة التي ترعى التعليم لدى المكونات اللبنانية والطوائف، والتي بدورها تعاني أزمات التمويل، الى مشكلات تتفاقم داخلها.

مواضيع ذات صلة

  •  

    أساتذة الثانوي الرسمي يضربون اليوم دعماً للمتمرنين في كلية التربية

  •  

  • ماذا يريد المتقاعدون في التعليم الرسمي؟ تطبيق المادة 18 من القانون 46 والزيادة غير منقوصة

  •  

  • مجلس التعليم العالي اتخذ قرارات بحق جامعات مخالفة غرامات وتوصية بإلغاء مرسوم ترخيص معهد جامعي

صرخة المواطن الذي يريد أن يعلم أولاده لا يتوقع أن تاتي لائحة الاقساط مرتفعة بنسبة لا تقل عن 20 في المئة هذه السنة، ليظهر أن كلفة التلميذ الواحد في المدرسة الخاصة بأنواعها المختلفة باتت تراوح بين 7 ملايين و20 مليون ليرة، وفق المدارس. ولا تقتصر الصرخات في التعليم الخاص، ومعاناته التي تمتد الى المدارس الخاصة المجانية والمدارس الإفرادية التي تبين أن بعضها يغير المعلمين سنوياً ولا يدفع حقوقهم، فيما مستوى التعليم فيها متدن.

يدفع المواطنون وأهالي التلامذة ثمناً لما تركه قانون سلسلة الرتب والرواتب 46 من انعكاسات سلبية على العلاقة بين ادارات المدارس الخاصة والمعلمين. فصار الأهالي يشكلون الحلقة الضعيفة كمواطنين لعجزهم عن سداد المبالغ المرتفعة، وجاءت الملفات التربوية والتعليمية وكأنها معلقة بالسلسلة ومترتباتها على المدرسة والتعليم والمعلمين، علماً أن التربية عموماً عانت الكثير من الأزمات وعدم الاستقرار، بدءاً من المشكلات التي تعصف بمؤسساتها وقطاعاتها، بتدفق أولاد اللاجئين الى المدرسة الرسمية، والتدخلات السياسية التي لا تزال تعبث بالإدارات والمؤسسات بما يناسب مصالحها وحساباتها.

كلفة التعليم ترتفع في لبنان. أما المدرسة الرسمية فلا تقدم بديلاً مقنعاً، على الاقل حتى إشعار آخر. ويكفي الإستماع الى ما يتردّد في المجالس والشوارع من كلام على كل أنواع الفساد، لنتأكد أنه مظهر يخترق المؤسسات، كمنظومة متكاملة. والفساد لا يقتصر على قطاع بعينه، هو جزء من منظومة تطال كل مفاصل البنية اللبنانية، ويسبب المزيد من المعاناة للمواطنين حتى في قطاع التربية، فصرف الأموال والإهدار والتلزيمات والتعيينات والعقود لا تبرئ قطاع التعليم عامة، حيث التحاصص سمة اساسية بين الأفرقاء المختلفين.

شهدنا مثلاً منح تراخيص لمؤسسات تعليم عال لا تستوفي الشروط، فهل هي لمصلحة اللبنانيين؟ وتعاقد بالجملة لأساتذة استمر تقليداً منذ أيام الحرب، وتعيين مديرين وعمليات نقل، وتوقيع عقود مشاريع تربوية ممولة من جهات مانحة في البحوث من دون شفافية، ثم تراخيص لمدارس لا تستوفي الشروط، يتحول أصحابها الى ميسورين بسنوات قليلة، الى تلزيمات وبناء مدارس لا حاجة فعلية لها، فكيف لا يكون الفساد واقعاً هنا، وأساسه الإهدار وتوزيع المنافع؟.

يتبين أيضاً أن اللبنانيين لا يثقون بالتعليم الرسمي. وللدلالة على ذلك تبلغ معاناتهم الذروة اذا كانوا يريدون الحصول على تعليم نوعي جيد. فمجموع التلامذة 30،7 % للتعليم الرسمي، والباقي للتعليم الخاص الذي لا يزال يستقطب نحو ثلثي التلامذة في لبنان.

 

 

ADVERTISING

 

inRead invented by Teads

وبينما استمرت مشكلة التربية تغالب التدخل السياسي، بقيت أيضاً مشكلة المتعاقدين تضغط على المدرسة. هذا وحده يسبب القلق لأهالي التلامذة في الرسمي بعدما حل التعاقد محل الاعداد في دور المعلمين وكلية التربية. وقد أقر خلال عام 2017 قانون تعيين الناجحين الفائضين لكن ذلك لم يشكل حلاً للمشكلة، ففتح ملف جديد لمطالبهم بمساواتهم بالدرجات الست مع زملائهم في التعليم. خصوصاً أن السياسة والطائفية والمشاريع الإنتخابية تأخذ المدرسة الرسمية الى مستوى لم يعد مقبولاً بالحد الأدنى. وقد عانت وزارة التربية في التصدي لمشكلات مباشرة في التعليم، لكن التدخلات في شؤونها انعكس سلباً على المواطنين.

يظهر أن المعاناة الكبرى للبنانيين هي مع الجامعات. ليس في ما يتعلق بالكلفة وحسب، إنما أيضاً قلق ما بعد التخرج وفرص العمل التي تنعدم في السوق اللبنانية. الجامعة الوطنية التي تحتضن 70 ألفاً من طلاب لبنان، هل تستطيع أن تعطي اللبنانيين الأمل بتعليم جامعي ذي جودة يفتح الآفاق على سوق العمل؟ تلك مشكلة في ذاتها، عندما يعلم المواطنون أن هذه الجامعة تواجه تحديات كبرى ومشكلات لا تستطيع أن تتجاوزها بعدما عبثت بها الحرب وتوزعت بين القوى السياسية والطائفية، على رغم أنها لا تزال تحتضن طاقات كبرى يمكن البناء عليها. فالأهم عودة استقلاليتها واصلاح قانونها، ووقف التدخل السياسي في شؤونها، وتعزيز دور مجالسها، ووظيفتها في البحوث والشهادة. وتحصينها بقرارات تعيد الاعتبار الى العمل الاكاديمي والمنافسة مع الجامعات الخاصة، ثم ضبط الإدارة الجامعية بمجالسها ولجانها ومحاربة الفساد والسير في الإصلاح الإداري والأكاديمي. ولعل ما رافق ملف تفريغ الأساتذة من تدخلات، الى الإلتباسات في الملف ذاته، طرح مشكلة اساسية لمستقبل الجامعة، وهي جامعة كل اللبنانيين. فالطريقة التي تم التعامل بها مع الجامعة في ملفات التفرغ، لم تسد الثغرة الأكاديمية، بل أوجدت فراغاً في آلية تجديد الكادر التعليمي المتخصص، انطلاقا من حسابات سياسية، فتم تفريغ اساتذة تبعاً للمحاصصة. ويطرح هذا الواقع أيضاً لطمأنة المواطنين اعادة النظر بآليات وممارسات تتعلق بالجامعة. لذا الأولوية للعمل على انقاذ الجامعة من براثن المحاصصة وإعادة احتضانها للطلاب اللبنانيين بعيدا من التمترس الطائفي في هذا الفرع وذاك. المواطنون لا يريدون الجامعة مكانا للتوظيف، مهمشاً دورها ووظيفتها واستقلاليتها. علماً أن الجامعة تمتلك طاقات علمية كبيرة، ويمكن ان تعود الى منافسة أرقى الجامعات إذا قارب المعنيون قضاياها ونجح أهلها في وقف التدخل السياسي في شؤونها ومحاسبة المخالفين والمرتكبين.

ليست معاناة اللبنانيين واحدة، فهم يعرفون أيضاً أن ارتفاع عدد الجامعات والمعاهد في لبنان تباعاً ليصل الى أكثر من 50، يجعل المستوى ضعيفاً والجودة في مرتبة متدنية، إلى حد أنه نشأ في البلد نظام جامعي طفيلي يأخذ من رصيد التعليم العالي ويضرب امكان العبور إلى سوق العمل. كثر يسألون عن عدد الجامعات في لبنان، وعما اذا كان البلد يحتاج فعلاً الى مؤسسات تعليم عال جديدة وبتخصصات متوافرة، ويعرفون أن جامعات عريقة في لبنان لا تزال تستقطب طلاباً من جنسيات مختلفة، وشهاداتها وتخصصاتها مدعومة بأنظمة اعتماد ممنوحة عالمياً وتصنيف جيد. لكن بعض الجامعات بات يستسهل التعامل مع الطلاب بهدف استقطابهم، لذا لا يعود التعليم مرتكزاً على البحث العلمي أو الاجتماعي أو الإنساني.

وقد يكون هناك عدد من اللبنانيين تفاجأوا بتزوير شهادات من جامعات وبيعها، إلى مخالفات أكاديمية تظهر نتائجها في وقت لاحق. ولذا قررت جامعات عريقة إعادة الاعتبار للمعنى الذي تأسست عليه الجامعات الأكاديمية وهو الدفع لتطوير التعليم العالي والحسم في الموقف من المخالفات الأكاديمية والتزوير، ثم المساهمة في تنقية القطاع من الطارئين ومن المؤسسات التي نشأت طفيلياً وتجارياً وتسعى إلى الربح على حساب المعايير الاكاديمية. لكن ذلك لا يعني أن اللبنانيين لا يعانون مع كلفة التعليم العالي المرتفعة، فهي ترهقهم كما التعليم ما قبل الجامعي، لكنهم يتطلعون إلى الالتزام بالمعايير التي على اساسها يرخص للجامعات، وليس انطلاقاً من التحاصص السياسي والطائفي.

معاناة اللبنانيين كبيرة والمواطن لا يستطيع أن يعبر إلى الأمان ويحظى بالاستقرار من دون مؤسسات ودولة رعاية اجتماعية تكافح الفساد وتستطيع أن تمارس دورها على كل المستويات. ولعل التعليم في مقدمها. واللبنانيون هم معنيون بالنهوض والعبور إلى الدولة... فهذا هو التحدي؟

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة