كورونا الجرثومية وكورونا المالية - جريدة المدن - عصام الجردي

 

 - Apr 03, 2020



من الآخر. لدينا جائحتان. فيروس كورونا وكورونا مالية. الأولى أخلت كل المكان للهلع. نتعامل معها بالمستطاع. والباقي على الأقدار حتى ابتكار العلاج الشافي. ومن قائل، أن الأمر قد يستغرق سنة تزيد أو تنقص، والعلماء ينشطون في هذا السبيل والبحّاثة. لنتخيّل أن الفيروس قد دهم ونحن بلا وزارة الصحة. ولا صليب أحمر دولي، ولا جسم طبي وتمريضي جسور ومقدام. أو بهذه الهيئات لكنها شاغرة من شاغليها والعاملين. الكورونا المالية التي عصفت بكل شيء عندنا، بالنقد، وودائع الناس في المصارف، وبالتزامات دولة توقفت عن السداد، وبقوت البشر، وتعليمهم، وسكنهم، وبدخولهم وحياتهم الاجتماعية، لا أمل في علاجها في هذا العهد حدًا أدنى. كل المؤسسات والهيئات المعنية بها شاغرة ليس بالقضاء والقدر. بل لأن المنظومة السياسية حكمًا وحكومة، تصرّ على أن السبيل الأمثل لجبه الكورونا المالية، وسدّ الشواغر في المؤسسات والهيئات المعنية، لا يكونان إلاّ بحشر الأنصار والمؤيدين. ونجزم في ضوء ما نشهد، أن تلك المنظومة لا تزال قاصرة عن إدراك تداعيات الكورونا المالية المدمرّة التي لم ننته بعد من فصلها الأول فحسب.

سقطت تعيينات نواب حاكم مصرف لبنان، ولجنة الرقابة على المصارف والتعيينات المالية الأخرى في جلسة مجلس الوزراء أمس. لو حصلت كما أراد جبران باسيل وتياره ومعه رئيسا الجمهورية ميشال عون والحكومة حسّان دياب، لانفرط العقد الحكومي. لو أصرّ هذا الفريق و"حزب الله" وحركة "أمل" على صيغة التعيينات نفسها، ونفذّ رئيس تيار "المستقبل" سعد الحريري ما ألمح اليه باستقالة نواب التيار من المجلس النيابي، لانتهى الأمر. لا مجلس نواب ولا حكومة ولا الظروف تسمح بانتخابات نيابية جديدة كانت مطلوبة من الثورة الشعبية قبل جائحة وباء كورونا. هذا هو وضعنا الآن. واحد ينام ملء جفونه هذه الأيام. وزير الداخلية محمد فهمي. هدّد بالانتقال إلى القمع ونفّذ. أزال خيم الثورة من ساحتها تحت جنح الظلام. "قبضاي فهمي"! دياب ليس منزعجًا ولا "الحلف الممانع". بقي أن يقمعوا الجائحتين. كورونا الفيروس والكورونا المالية..

للدائنين "دبروا حالكم"..
يعني الناس من التعيينات المالية عمق الأزمة وخطورتها. والمراكز الشاغرة معنية بتداعياتها. من سعر الصرف، وحقوق المودعين، والاقتصاد المكبوح، والوضع المعيشي، والتضخم، والأسعار والبطالة. الوجه الآخر للتعيينات المتعلق بعلاقات لبنان الخارجية، ومسار ملف الديون، وحاجة لبنان إلى المساعدات وإعادة الهيكلة قضية مفروضة على لبنان. ونحن على رادار دونالد ترمب وخزانته في المحصلّة. العقوبات سيف مسلط غبّ الطلب. منذ أيار 2018، ومؤتمر سيدر وقبل الانهيار نطالب برؤية اقتصادية شاملة. لم تُنجز. حصل الانهيار، وباتت تعهدات سيدر في مهبّ كورونا يضرب دول المؤتمر وتعهداتها. نحو شهرين على الثقة بالحكومة والخطة الاقتصادية غائبة. نعم جائحة كورونا أخلت المكان. لكن الكورونا المالية تتعمّق وتأتلف مع الأولى. إرجاء التعيينات والخلافات على الحصص تعني أن لدى الحكومة مزيدًا من الوقت تزهقه على الاستحصاص السياسي غير المستقل من "حكومة اختصاصيين ومستقّلين"! استقال الحريري. كان لا بدّ من حكومة بديلة حتى بالشكل الذي أتت عليه من فريق واحد برئاسة دياب. ونحسب لو اعتقد الأخير إنه قادر على نوال كل المراكز الإدارية والمالية في الدولة من نصيب طائفته يرتكب خطأً كبيرًا. خصوصًا إنه ليس هو من يهندس تلك التعيينات في الحكومة ويسمّي شاغليها. لبنان مقفل النوافذ على الخارج حاليًا. وقلنا للعالم "توقفنا عن السداد ودبّر حالك"! بينما عاجزون نحن عن تدبّر أمورنا في الداخل والخارج.

خبرة مصارف مشمولة بالعقوبات!
إذا كانت واشنطن تدعم محمد بعاصيري نائبًا ثالثًا لحاكم مصرف لبنان المؤيد من سعد الحريري يسقط خيارًا للحكومة. للمؤسسة الوطنية لضمان الودائع عضو في لجنة الرقابة على المصارف. ولها هي أن تسميّه بموجب المرسوم الاشتراعي 28/67. سمّت المؤسسة في كتاب رسمي تاريخ 18 آذار 2020 رفعته إلى وزير المال غازي وزني بناء على طلبه ثلاثة ليختار واحدًا. طوني شويري، ومنير اليان وجوزف سركيس. لم يعرض الوزير السيَر الذاتية المرفقة على مجلس الوزراء واقترح آخرين لم تسمّهم المؤسسة خلافًا للقانون. بينما لجمعية المصارف وبموجب القانون نفسه عضوًا في اللجنة تقترحه ويؤخذ به. أي للجمعية حق تسمية أحد المولجين برقابة المصارف. وهذا شأن غريب يستدعي تعديل القانون وقت نتوجه إلى إعادة هيكلة المصارف.

وتكتشف أن الحكومة رئيسًا وأعضاء تضم رهطًا من مالكي أسهم مصارف وأعضاء في مجالس إدارتها ومستشارين استقال بعضهم قبل تأليف الحكومة والبعض الآخر ما زال في مجلس الإدارة (حسّان دياب استقال من لوسيد إنفستمنت بنك)، ضروري أن يحوز شاغلو نواب حاكم مصرف لبنان ولجنة الرقابة على المصارف كفايات علمية في مجال الصيرفة والمال. وطبيعي أن يعملوا في مصارف ومؤسسات مالية قبل تعيينهم. لكن تبين أن الغالبية الساحقة من الأسماء التي كان يفترض تعيينها في جلسة مجلس الوزراء أمس، كانت من مصارف ومؤسسات قريبة جدًا من جبران باسيل والعهد. بعض من الأسماء سبق أن شغل أصحابها مسؤوليات ومهمّات في مصارف مدرجة في لائحة العقوبات الأميركية. لا ندرك الحكمة من تلك الخيارات وفي هذه الظروف بالذات. ضد تدخل السفارة الأميركية في قرارات إدارية سيادية داخلية. وضدّ تدخل أي دولة في شؤوننا السيادية. دولية أكانت أم إقليمية. لكن لماذا نقاتل طواحين ترمب مكشوفين، وخياراتنا الداخلية عقيمة وملتبسة؟ ونقاتله بعملته التي باتت هي ذات القوة الإبرائية، وخزين القيمة في بلادنا، بعد أن تدولر اقتصادنا بنحو 75 في المئة. لبنان البلد الوحيد في العالم الذي فيه مقاصة بالدولار الأميركي. وهي حقٌ من حقوق بلد العملة. لننأى عن العقوبات إذا نأت عنا. لو أصرّت الإدارة الأميركية على منع لبنان من المقاصة بالدولار لانهار البلد فوق انهياره، ولتوقفت الحياة المالية والاقتصادية.

 

أبلغ رئيس الحكومة مجلس الوزراء إنه مصرّ على الكفاية معيارًا للتعيينات المالية ولن يقبل بالاستحصاص. أمر محمود يحتاج إلى فعل. والقول بالفعل يثبت وليس الفعل بالقول. فقط "وزير الداخلية القبضاي" توعدّ بالقمع ونفّذ على خيم الثورة. ولا شكّ استأذن رئيس الحكومة فأذن له. وبارك "الحلف الممانع" ولسان حاله "مع مطالب الثوّار المحقّة ولكن الحجر في زمن كورونا من شجاعة الشجعان".. لولا الثورة والثوّار بقية أمل، لردّدنا وصية سعد زغلول قبل أن يرقد رقدته الأخيرة فقال لزوجته "غطّيني يا صفية ما فيش فايدة"!

أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة