عندما يصرف المال العام كرشوة انتخابية - جريدة الاخبار - شربل نحاس

 

 - Jan 14, 2013



 شربل نحاس 

 

قررت حكومة الرئيس نجيب ميقاتي أخيراً التصرف بمبلغ قدره مليار ومئتا مليون دولار، من خلال تحويل قسم منه إلى الخزينة العامة، وتوزيع القسم الأكبر منه على البلديات.

معنى الرقم 
إن مبلغ المليار والمئتا مليون دولار، يعادل فعلياً ما قيمته 420 مليار دولار في الولايات المتحدة الأميركية، أي ما يساوي نسبة 60% من المبالغ التي خصصتها الخزينة الأميركية في عام 2009 لمواجهة أكبر أزمة مالية عصفت بالعالم منذ 80 سنة.
وهذا المبلغ يوازي 70 مليار يورو في فرنسا، أي ضعفي العجز الذي تسعى الدولة الفرنسية وتتخبط لتغطيته منعاً لانهيار تصنيفها وللحفاظ على العملة الأوروبية.
عبؤها على الاقتصاد اللبناني يوازي، بالقيم الثابتة، مرتين ونصف المبلغ الإجمالي الذي خصصته الولايات المتحدة الأميركية، عبر خطة مارشال، لإعادة إعمار أوروبا الغربية بعد الحرب العالمية الثانية. وهذا يعني أن هذا المبلغ كفيل، إن أُحسن استخدامه، بتغيير وجه البلد والاقتصاد في لبنان.
أصل المسألة 
منذ سنة 1994 وحتى بداية 2010، سرقت وزارة المال المبالغ التي تعود قانوناً إلى البلديات من الرسوم المفروضة على المخابرات الخلوية التي تحصّلها وزارة الاتصالات لمصلحة البلديات.
أثار الموضوع خلال عام 2009 الوزير جبران باسيل، وجرت مراسلات مع الوزير محمد شطح عندما كان وزيراً للمال، لكن من دون اتخاذ أي إجراء عملي.
والمسألة بدأت منذ ٣ سنوات بالتمام. في شباط 2010، عندما كنت وزيراً للاتصالات، وبعدما رفضت وزيرة المال في حينه ريا الحسن إعادة الأموال التي أخذتها المالية من حقوق البلديات، حجزت الأموال المستحقة على وزارة الاتصالات لمصلحة البلديات في مصرف لبنان، وبدأ المبلغ يتكون تدريجاً.
كيفية التصرف بها؟ 
الخدمات العامة في لبنان كارثية، والبيئة مشوهة وملوثة، وشروط حياة المواطنين مذلة.
لكن المشاريع التي يحتاج إليها البلد، من شبكات صرف صحي، ومن مطامر نفايات، ومن أنظمة نقل عام بالقطارات، ومن استعادة المناطق البيئية في الأنهر والشواطئ وغيرها، هي مشاريع تتخطى جميعها نطاق البلديات وقدراتها المالية والفنية والإدارية.
لذا، وضعت مشروع قانون ينشئ مصرفاً للإنماء المحلي، تملكه البلديات، فيستخدم هذا المبلغ الهائل المتراكم (أو أغلبه) كرأسمال لهذا المصرف. وقد حاز هذا المشروع تأييد كل المؤسسات الدولية المتخصصة.
لكن كيف يتعامل النظام؟ 
أُصيب هذا المشروع التغييري والإصلاحي بنكستين متتاليتين، أهدرتا فرصتين تاريخيتين:
في المرة الأولى، عندما أدت مكابرة الرئيس فؤاد السنيورة وممانعته عن فضح (وتصحيح) أي من المخالفات المالية التي ارتكبها إلى تعطيل التجاوب الذي كانت قد أبدته الوزيرة ريا الحسن في لقاءاتنا الثنائية للعودة إلى المسار السليم للمالية العامة، فانطلقت جوقة الشتامين واتهمتني بالسرقة والاختلاس، فأصيبت تجربة الرئيس سعد الحريري بانتكاسة كبيرة، وجمّدت الأموال لفترة سنة ونصف دون طائل.
وفي المرة الثانية، منذ تأليف حكومة الرئيس نجيب ميقاتي البهيجة، أدت مراوغة الوسطيين وانتهازيتهم إلى تعطيل محاولات وزير الاتصالات نقولا صحناوي لإعادة طرح المشروع الذي كنت قد تقدمت به، فأضيعت سنة ونصف إضافية، وانتهى الأمر إلى «التوزيعة» التي حصلت أول من أمس.
ماذا يعني قرار الحكومة؟ 
إن طريقة توزيع رأس المال هذا على البلديات، ستؤدي بنحو شبه مؤكد، إلى هدر معظمه من خلال النفقات الجارية وإقامة مشاريع مجزأة ومتناثرة، من جدران دعم وتزفيت ودور بلديات فارغة وغيرها، فنكون قد صرفنا هذا المبلغ غير المتجدد وأهدرنا هذه الفرصة الاستثنائية في سياق لا يتعدى الرشوة الانتخابية.
أما حصة المالية المزعومة، فهي لتغطية الأموال التي كبدتها المالية، من غير وجه حق، للبلديات ولاتحادات البلديات، لدفع الأموال لسوكلين وأخواتها، اعتباطاً.
هذا المال الذي حُصِّل بنحو استثنائي وغير متجدد، هو رأسمال بطبيعته، ولا يجوز تبديده كما حصل. وهو مطابق بطبيعته للمال الذي قد ينتج من استخراج النفط والغاز، إن كان هناك نفط وغاز. والأخطر أن هذا الأسلوب من التعاطي مع المال العام يدعونا إلى القلق من الآن على مصير أموال النفط والغاز.
إنه فعلاً إنجاز عظيم يضاف إلى إنجازات هذه الحكومات المتتالية.
أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة