اللقاء الأرثوذكسي بين التصويت و«التعــهّدات الوطنية» - جريدة الاخبار - نقولا ناصيف

 - Feb 21, 2013



 خرج اقتراح اللقاء الأرثوذكسي من اللجان المشتركة من دون أن يدخل حكماً إلى الهيئة العامة. لا هو أبصر النور لأنه لم يصر قانوناً وقد لا يصير، ولا قانون 2008 مات حقاً لأنه لا يزال نافذاً، ولأن التوصّل إلى صيغة ثالثة بين مرفوضين لا يجعل البديل مقبولاً حتماً 
قد يكون من المبكّر القول إن اقتراح اللقاء الأرثوذكسي مرّ، وإن قانون 2008 انتهى إلى غير رجعة. وقد يكون من المبكر أيضاً الاعتقاد بأن السهولة التي أفضى إليه التصويت على الاقتراح في جلسة اللجان النيابية المشتركة الثلاثاء، يصحّ بسهولة مماثلة في جلسة الهيئة العامة إذا دعا إليها رئيس المجلس نبيه برّي. وقد يكون من المبكّر أيضاً وأيضاً توقع إجراء انتخابات 2013 في ظلّ قانون نافذ نصفه في الحياة والنصف الآخر في القبر، وفي ظلّ اقتراح قانون نصفه في السماء ونصفه الآخر على الأرض.

 

حتى الآن تفصح المواقف المعلنة من اقتراح اللقاء الأرثوذكسي، بين مؤيد ومعارض، عن بضعة معطيات سببها تصويت اللجان المشتركة عليه:
1 ـــ إلى أن يقول المجلس الدستوري كلمته فيه، في الأوان المناسب إذا أُقرّ في الهيئة العامة، لا أحد ممّن يدعم الاقتراح يقول إنه مخالف لأحكام الدستور أو يتصرّف كأنه يتوقع إبطاله.
كذلك كانت قوانين الانتخاب التي خبرها لبنان بين عامي 1992 و2008. ليس بينها قانون مخالف لأحكام للدستور، ولا أُبطِلَ أحدها منذ وضع قانون إنشاء المجلس الدستوري موضع التنفيذ عام 1995 ما خلا تعديلاً متأخراً على قانون 1996 بنصيحة من المجلس نفسه للبرلمان. إلا أن قوانين الانتخاب برمتها كانت مناقضة لاتفاق الطائف، ولم تلتزم معاييره في وضع قانون الانتخاب.
قبيل توجّه النواب إلى مدينة الطائف أواخر أيلول 1989، أوفد رئيس المجلس آنذاك حسين الحسيني إلى الدكتور إدمون رباط المستشار القانوني للمجلس بشارة منسى يطلعه على مسودة اتفاق الطائف قبل مناقشته في المملكة ويسأله إبداء رأيه وملاحظاته فيها. كان ردّ ربّاط لرئيس المجلس «إياك أن تغرق مع أولئك الذين لديهم تشويه مهني، والذين يحدّثونك عن الدستور ولكنهم لا يعرفون أنه وليد البيئة والمجتمعات. عليك أن تأتي باتفاق سياسي وطني بين اللبنانيين، ونحن نعمل في ما بعد على دسترته».
وعندما عَهَدَ الحسيني إلى ربّاط في ما بعد إجراء قراءة لمقدمة الدستور الجديد المنبثق من اتفاق الطائف، باشر فيها ولم يمهله العمر لإنجازها فأتمّ مراجعة نقدية وتاريخية لقسم رئيسي منها، كتب إلى الحسيني يقول: «يكفي مقارنة هذه الأحكام التي تضمنتها وثيقة الوفاق الوطني اللبناني، والتعديلات التي أجريت في الدستور تنفيذاً لتلك الأحكام، كي يتضح أن قسماً وفيراً منها لم يجد، وكان من المتعذر أن يوجد له محل في الدستور، ممّا يجعل الأحكام التي بقيت خارجة عن الدستور أحكاماً منطوية على تعهدات وطنية».
ما توخاه ربّاط أن «التعهدات الوطنية» أقوى من الدستور وتتقدّم عليه. والحري أنها تسبق أيضاً بأشواط القوانين والتصويت عليها.
ما يواجهه اقتراح اللقاء الأرثوذكسي اليوم هو هذا الامتحان الذي لا يشبه خروج الرئيس شارل حلو عام 1966 عن توافق الزعماء السنّة على تسمية الرئيس رشيد كرامي لرئاسة الحكومة بتعيينه الرئيس عبد الله اليافي، ولا يُشبه رفض الزعماء السنّة عام 1973 الرئيس أمين الحافظ لرئاسة الحكومة بعدما أيدوه ثم انقلبوا عليه، لكن الرئيس سليمان فرنجية عاند إرادتهم وتمسّك به، ولا يشبه تعيين فرنجية عام 1975 العميد أول المتقاعد نور الدين الرفاعي رئيساً لحكومة عسكرية خلافاً لإرادة الزعماء السنّة ولم يقبلوا به. صمدت الحكومة الأولى ثمانية أشهر وطارت وعاد كرامي، وانهارت حكومة الحافظ منذ تأليفها فصمدت بالكاد شهرين، ولم تعش حكومة الرفاعي سوى ثلاثة أيام.
2 ـــ لا تنطوي المهلة التي حدّدها رئيس المجلس لقوى 14 آذار، وتيّار المستقبل تحديداً، للتوافق مع الفريق الآخر على صيغة اقتراح آخر لقانون الانتخاب على تهديد بفرض عقد جلسة للهيئة العامة للتصويت على اقتراح اللقاء الأرثوذكسي ما دام ضَمِنَ الغالبية النيابية المطلوبة. الأصحّ أنها مهلة حثّ أكثر منها مهلة إسقاط، وخصوصاً أن برّي لن يذهب إلى جلسة يغيب عنها فريقان رئيسيان هما السنّة والدروز، رغم أن طائفتيهما متمثلتان في البرلمان بآخرين سوى تيّار المستقبل والحزب التقدّمي الاشتراكي.
والواضح أن برّي يريد أن يقود الأزمة، بعد أن تشتد أكثر، إلى المخرج الذي يبدو الأوفر حظاً بالنسبة إليه، ويخرج في الوقت نفسه الطرفين من مأزقيهما، عبر التوافق على اقتراحه لقانون انتخاب مختلط يزاوج بين التصويتين النسبي والأكثري مناصفة في توزيع المقاعد عليهما. في حساب رئيس المجلس، بعدما أجرى معاونوه مراجعة دقيقة لنتائج متوقعة من تطبيق الاقتراح، أنه لا يعطي أحداً من الفريقين سلفاً غالبية في البرلمان المقبل، ويضعهما كما هما الآن: أقليتان تجاورهما أقلية ثالثة أصغر منهما تفك الاشتباك بين قوى 8 و 14 آذار. لا يسع برّي إجراء خلطة حقيقية وجدّية بين قوى 8 و14 آذار ما دام كل منهما ينتمي إلى مشروع إقليمي مناوئ للآخر، إلا أنه الوحيد القادر على الأرجح على فك الاشتباك. يجعل ذلك، حتى إشعار آخر، اقتراح اللقاء الأرثوذكسي نصف حيّ وقانون 2008 نصف ميت.
3 ـــ بعدما أعلن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي تحفّظه عنه، بات اقتراح اللقاء الأرثوذكسي مُجرّداً من أي غطاء سنّي في أي جلسة عامة محتملة للبرلمان، كان يسعه توفيره بصفته رئيساً للحكومة ورئيس كتلة نيابية وجزءاً لا يتجزأ من الغالبية النيابية الحالية عبر التصويت على الاقتراح. قلّل فرص التئام الهيئة العامة، وأحال الاقتراح مشروعاً مسيحياً ـــ شيعياً فحسب، والرفض السنّي له إجماعاً كاملاً.
وأكثر من أي وقت مضى وقف ميقاتي، بعد رئيس الجمهورية ميشال سليمان والنائب وليد جنبلاط، على طرفي نقيض من الغالبية الحكومية والنيابية في آن واحد. يتمسّك بنسبية لا تشبه التي يعتمدها اقتراح اللقاء الأرثوذكسي، ويصرّ على مشروع حكومته للنسبية الذي يتمسّك به سليمان ويعارضه جنبلاط. لا الوسطية موحدة الموقف من قانون الانتخاب، ولا قوى 14 آذار تعرف أي قانون تريد، ولا قوى 8 آذار قادرة على إيصال اقتراحها إلى الهيئة العامة لإقراره.
يملك رئيس الحكومة أيضاً سلاح رئيس الجمهورية المنصوص عليه في المادة 19 من الدستور، وهو مراجعة المجلس الدستوري لإبطال قانون يرى أنه يخالف أحكام الدستور. يملك أيضاً أن لا يوقع القانون قبل أن يصل إلى رئيس الجمهورية.
أضف تعليقك





الرئيسية
من نحن
استشارات
مواقع صديقة
فئات خاصة
أراء ,مقالات و تحقيقات
دراسات ومؤتمرات
القطاع التعليمي، التربوي، الصحة و الدواء
النظام الداخلي للمركز



يوجد حاليا

زائر حالياً  
© جميع الحقوق محفوظة جمعية المركز اللبناني للتدريب النقابي

إن الآراء الواردة في الموقع تمثل أصحابها وليس بالضرورة رأي الجمعية
تصميم و برمجة